نُشرت مؤخراً صور لأحداث حقيقية وقعت للفلسطينيين الذين استهدفتهم القوات الإسرائيلية في شهر رمضان المبارك، مثل
هراوة إسرائيلية تضرب عجوزا على رجليه وأب يتعرض للعنف أمام ولده في مكان مقدس.
فقد اقتحمت في الشهر الفضيل جماعات يهودية متطرفة والقوات الإسرائيلية مرة أخرى المسجد الأقصى، أحد أقدس الأماكن في الإسلام، وأهم ما في الأمر أنهم فعلوا ذلك أمام أعين العالم كله ورغم اعتراضات ضعيفة من الدول الإسلامية. ما منح إسرائيل بدون شك مزيدا من الشجاعة لمواصلة الاعتداءات من هذا الصمت.
وليس من المبالغة القول إن القضية الفلسطينية مرت بمرحلة ما قبل رجب طيب أردوغان وما بعده، كما هو الحال في العديد من القضايا الأخرى.
وأود هنا أن أشرح لماذا لا أرى في هذا القول مبالغة.
مكالمة أردوغان - هرتسوغ
في الوقت الذي تعرض فيه الفلسطينيون للعنف أمام العالم بأسره في باحات المسجد الأقصى، الكبار في السن منهم والأطفال، كان أردوغان أحد قادة العالم القلائل الذين تدخلوا لوقف العنف. بل أصبح هو القائد الوحيد الذي يمكنه الحصول على نتائج أولها، إعلان وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو أن أردوغان والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ سيجريان مكالمة هاتفية وأن أردوغان سيناقش هجمات الأقصى خلال المكالمة. وبعد ساعات من بيان تشاوش أوغلو، تمت المكالمة المعلنة التي تابعها الجميع عن كثب.
وبعد الاجتماع ساد الهدوء المسجد الأقصى على الأقل في الوقت الحاضر. لأنه بعد لقاء أردوغان - هرتسوغ، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباءً عن إغلاق المسجد الأقصى أمام الزوار اليهود حتى نهاية شهر رمضان. وبمعنى آخر، تم تنفيذ الرسائل التي وجهها أردوغان خلال المكالمة مع هرتسوغ وسُمعت بوضوح في تل أبيب.
ومعلوم لكل من يتابع الدبلوماسية عن كثب، أن الأجواء الباردة سيطرت لفترة طويلة على خط أنقرة-تل أبيب بعد إغارة إسرائيل على سفينة مافي مرمرة. وبالرغم من وجود اتصالات استراتيجية من وقت لآخر، لم يتم استئناف العلاقات حتى زيارة هرتسوغ لأنقرة هذا العام. ولن يكون من الخطأ القول إن الزيارة فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، خاصة وأن التعاون في مجالات عديدة مثل الطاقة على جدول الأعمال.
ومع ذلك، من المفيد تسليط الضوء على نقطة هامة. فالعالم الإسلامي على وجه الخصوص يفتقر إلى قائد بقدرة أردوغان على التدخل في حل القضية الفلسطينية. لهذا السبب بالذات، ربما كانت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وتركيا عنصراً إيجابياً فعالاً في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين. وبالتالي فإن وجود دبلوماسية صحية بين البلدين، وجعل قنوات الاتصال مفتوحة هي التي أورثت النتائج التي رأيناها هذا الأسبوع.
وينبغي على منتقدي استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ألا ينسوا هذه النقطة الحاسمة، لأن أردوغان أثبت أنه لن يتوقف عن دعم القضية الفلسطينية باستخدام العلاقات مع إسرائيل كذريعة، مثل العديد من القادة الآخرين. بل على العكس من ذلك، حاول قلب هذه العلاقات لصالح فلسطين، واستخدم القنوات التي فتحت مع هرتسوغ لنصرة القدس المحتلة، بالرغم من وجود الكثير من القضايا الملحة المطروحة على الطاولة.
وتركيا لن تتجاهل أبداً معاناة الشعب الفلسطيني وقضية الأقصى وتلخّص التعبيرات التي استخدمها أردوغان في اجتماع مجموعة حزب العدالة والتنمية الحاكم في 20 أبريل/نيسان كل النقاط بوضوح:
"علاقتنا مع إسرائيل لا تعني أننا سنغض الطرف عما يحدث. سنحقق تاريخنا وإيماننا. حتى لو بقي العالم كله صامتاً، فسوف نعلن اعتراضنا بأعلى صوت".
هذا هو جوهر تركيا وحقيقتها. فهي لا تستخدم أدوات الدبلوماسية لحماية مصالحها فحسب، بل تمضي أيضاً في رفع لواء الحق وإسماع صوت المضطهدين بالقوة التي جلبتها الدبلوماسية.