قبل عامين، احتفلت تركيا بالذكرى الثامنة والتسعين للـ"هجوم العظيم" الذي يمثل نقطة التحول في حرب الاستقلال التركية، حين قال مصطفى كمال أتاتورك كلماته الشهيرة "فلتتقدم الجيوش إلى الأمام، هدفكم الأول هو البحر المتوسط".
مع ذلك، حاولت بعض الدول اتخاذ إجراءات لعزل تركيا عن البحر المتوسط. وتمركزت الطائرات المقاتلة الفرنسية والإماراتية في جزيرة كريت. وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا من الاستمرار في التنقيب عن موارد الطاقة شرق البحر المتوسط.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الألماني آنذاك هيكو ماس، لوح رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسو تاكيس بإصبعه قائلاً: "لن ندخل في حوار مع أنقرة، بل سنطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على تركيا".
وفي الوقت الذي تم فيه التصويت على الاتفاقيات التي تحدد مناطق الاختصاص البحري التي أبرمت مع إيطاليا ومصر في البرلمان اليوناني، أعلن اليونانيون أنهم ينوون مد مياههم الإقليمية 12 ميلاً بحرياً، ما يعني أن الأتراك ليس لديهم الحق في الصيد في بحر إيجه.
فكيف تغيرت المواقف؟
بعد مرور عام ونصف منذ ذلك الحين، تغيرت الكثير من المواقف، لدرجة أن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ومن بعده الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ قاما بزيارات إلى أنقرة. حتى ميتسوتاكيس جاء إلى إسطنبول قبل أن يقوم المستشار الألماني أولاف شولتز بأول زيارة رسمية له في وقت سابق من هذا الأسبوع. وحملت كل الشخصيات السياسية القادمة رسائل تعاون مع تركيا.
فهل كان الوصول إلى هذه النقطة سهلاً؟
مع بالغ الأسف أن المعارضة التركية الرئيسية لم تكتف بالصمت فقط، عندما كانت اليونان تتحدى تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، بل عارضت مشروع القانون الليبي أيضاً الذي كان له دور فعال في أحد أهم المكاسب في صراع "الوطن الأزرق". وفي الوقت الذي كان فيه ميتسوتاكيس يبتسم للكاميرات مع الرئيس رجب طيب أردوغان في قصر وحيد الدين، كان يتذكر بالتأكيد سياسة بلاده قبل عام. وجاء سحب الولايات المتحدة دعمها لمشروع خط أنابيب "إيست ميد" كإشارة واضحة إلى أن تركيا أصبحت الآن شريكاً أساسياً، وتحولت إلى نجم صاعد في السياسة الدولية خصوصاً بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا الذي فتح الباب أمام هذه التطورات.
لقد قاوم أردوغان من خلال حماية مصالح تركيا وحقوقها في البحر المتوسط، وجعل دول المنطقة تقبل بهذه المصالح وتعترف بها. وهكذا انتهى الجنون المتمثل في استبعاد الدولة التي لديها أطول خط ساحلي في شرق البحر المتوسط، من الاتفاقيات الدولية والإقليمية.