تتمتع إسرائيل الدولة الوحيدة التي تمارس علناً سياسات الفصل العنصري، بدعم غير مشروط من جميع الدول الغربية، وهو الأمر الذي جعلها تُظهر جرأة لا متناهية في تقديم نفسها على أنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" بالرغم من أن الحقيقة بعيدة كل البعد عن ذلك.
وبينما تحتل إسرائيل كل عام المزيد من الأراضي التي من المفترض أنها خاضعة للسلطة الفلسطينية، تبدو هي السلطة الوحيدة الحاكمة في البلاد وبالتالي تقوم باحتلال وطرد الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم في الوقت الذي تسمح فيه للمستوطنين غير الشرعيين بالانتقال إليها والعيش فيها بشكل دائم وذلك بدعم من البرلمان الإسرائيلي، ما يوضح أن سياسة الاستيطان غير القانونية هذه مدعومة من الدولة. ويثبت هذا الدعم القانوني في الواقع أن قوانين إسرائيل هي أيضاً قوانين دولة تقوم سياستها على نظام الفصل العنصري.
كما تنص الأسس القومية للدولة العبرية على أن "الحق في تقرير المصير القومي" في إسرائيل " للشعب اليهودي فقط". وتظهر هذه الأسس "الاستيطان اليهودي كقيمة قومية" وتفرض على الدولة "تشجيع وتعزيز إقامتها وتنميتها". كما تُعرّف هذه الأسس اللغة العبرية على أنها اللغة الرسمية لإسرائيل، وتُخفّض مرتبة اللغة العربية التي يتحدث بها العرب الإسرائيليون على نطاق واسع إلى "مكانة خاصة".
ووفقاً للقانون المعنون بـ"قانون العودة"، يُمنح جميع اليهود الذين يعيشون في إسرائيل حقوق المواطنة مباشرة، بغض النظر عن مكان ميلادهم، ويُسمح لهم بالاحتفاظ بجنسيتهم الإسرائيلية حتى لو انتقلوا إلى خارج البلاد. وعلى النقيض من ذلك، يُصنف ملايين الفلسطينيين الذين عاشوا هناك منذ أجيال، على أنهم لاجئين ويمنعون من العودة إلى البلاد استناداً إلى سياسة الاستيطان الإسرائيلية غير القانونية.
بالإضافة إلى ذلك، يحق لجميع المواطنين الإسرائيليين اليهود السفر بحرية داخل حدود الدولة، على عكس العرب الذين يتم منحهم بطاقات هوية مرمزة بالألوان بحسب موقعهم، ويتعين عليهم الانتظار في طوابير طويلة عند نقاط التفتيش تحت إشراف جنود مدججين بالسلاح، أثناء تنقلهم من مدينة إلى أخرى.
وتوفر المستوطنات اليهودية غير الشرعية الكهرباء والمياه النظيفة لساكنيها بسهولة منقطعة النظير وكذلك تقدم محطات الحافلات خدمات ممتازة مختلفة عن تلك الموجودة في الأحياء الفلسطينية، بينما يخضع وصول المياه والأدوية والكهرباء إلى غزة وساكنيها لسيطرة إسرائيل التي لا تتردد في إلقاء أطنان من القنابل على القطاع، كلما كانت هناك احتجاجات في أي مكان في البلاد.
أما الهجوم الأخير على غزة فقد بدأ عندما حاولت إسرائيل إجبار العرب على مغادرة منازلهم في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. وعندما احتج السكان ورفضوا المغادرة القسرية هاجمت إسرائيل المدنيين الذين كانوا يؤدون الصلاة في المسجد الأقصى مما أسفر عن مقتل 21 شخصاً بينهم 9 أطفال. وتزايدت وتيرة الأحداث بعد أن نفذ صبر المقاومين في غزة وقرروا الرد على هجمات إسرائيل الوحشية ضد المدنيين فقاموا بالرد وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل للدفاع عن أنفسهم حيث قتل منهم حتى اليوم 217 شخصاً بينهم 63 طفلاً و 34 امرأة، على أيدي القوات الإسرائيلية.
وبذلك باتت المقولة الشهيرة تنطبق تماماً على الوضع الفلسطيني:"خذ مائي ودمر منزلي واسلبني عملي واسرق أرضي وألقي بوالدي في السجن واقتل أمي واقصف بلدي وجوعنا جميعاً وأذلنا جميعاً ومع ذلك سأبقى مذنباً، لماذا: لأنني أجبت بصاروخ".
وقد جاء في تقرير من 213 صفحة بعنوان "عتبة متجاوَزة: السلطات الإسرائيلية وجرائم الفصل العنصري والاضطهاد"، أقرّت فيه منظمة حقوق الإنسان ومقرها الولايات المتحدة، وهي واحدة من أكثر المنظمات غير الحكومية شفافيةً في العالم، أن إسرائيل "تمارس الفصل العنصري".
ومع ذلك فهذه ليست سوى البداية لأن العتبة قد تم تجاوزها بالفعل.