منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية وقيام الجمهورية التركية والدول الغربية تحاول إضعاف تركيا وإبعادها عن العالم العربي والإسلامي خوفا من أن تعود تركيا مجددا لدورها القيادي الذي نجحت به عبر مئات السنين خلال الخلافة العثمانية. وخلقت بعض الدول الغربية تنظيمات إرهابية، ودربتها وجهزتها، وأرسلتها للحدود التركية، لكي تكون خنجرا في خاصرة تركيا، تستخدمها متى تشاء وكيف ما تشاء. وهذا ما دعا تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية للاهتمام بصناعات الدفاعية والجيش والأمن والاستخبارات، لتدافع عن نفسها في ظل الدعم الغربي لهذه المجموعات الإرهابية التي لا تفرق بين الطفل والامرأة والرجل العجوز.
عمليات إرهابية استهدفت تركيا خلال 2023
في الثالث عشر من شهر نوفمبر / تشرين الثاني انفجرت قنبلة في شارع الاستقلال المكتظ بالسياح في منطقة تقسيم، وتسبب الانفجار باستشهاد ستة أشخاص وإصابة 81 شخصا، واستطاعت الدولة التركية إلقاء القبض على الفاعل خلال 24 ساعة وتفكيك الشبكة الإرهابية، وكشفت شرطة إسطنبول عن هوية الفاعل، امرأة سورية تُدْعَى أحلام البشير، دربها تنظيم بي كي كي/واي بي جي، وتم إرسالها بشكل غير قانوني إلى تركيا.
وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته استيقظت تركيا على هجوم إرهابي استهدف مدخل المديرية العامة للأمن التابعة لوزارة الداخلية، التي تقع في منطقة مكتظة بالمؤسسات الرسمية في العاصمة أنقرة، لعل أهمها مبنى البرلمان، الذي كان من المقرر افتتاحه في اليوم ذاته سنة تشريعية جديدة بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان، وبجهود الأمن التركي تم تحييد الفاعلين بدون خسائر بشرية ومادية. وتبنى تنظيم بي كي كي الهجوم بعد ساعات من وقوعه. وذكر موقع إخباري مقرب من التنظيم أن مجموعة تطلق على نفسها اسم "كتيبة الخالدون" نفذت تفجيرا في العاصمة التركية أنقرة.
عمليات تركية لمكافحة الإرهاب
تركيا تقوم باجتثاث الإرهاب من الداخل والخارج فالإرهاب كالفيروس ينتشر في كل مكان، ويجب معالجته داخليا وخارجيا لذلك منذ الهجوم الإرهابي الذي ضرب أنقرة، تواصل القوات الأمنية في تركيا ملاحقة واعتقال الإرهابيين في كل الولايات التركية.
من جانب آخر تركيا من الدول القليلة التي تكافح تنظيم داعش الإرهابي حيث يتم اعتقال أعضاء داعش بلا هوادة، وقامت القوى الأمنية في الشهر السابع من هذا العام باعتقال 33 أجنبيا في عمليتين للاشتباه بانتمائهم إلى تنظيم داعش وقبل أيام قليلة أعلنت الاستخبارات التركية، إلقاء القبض على مسؤول "الشؤون الإدارية والمالية في الشام" في "تنظيم الدولة" (داعش)، حذيفة الموري، في مدينة مرسين جنوبي تركيا.
أما إذا أردنا التكلم عن العمليات العسكرية التركية الخارجية خلال 2023 فسنلاحظ تحقيق نتائج كبيرة، تواصل القوات التركية استهدف قادة المنظمات الإرهابية من خلال عمليات نوعية للجيش التركي بالإضافة إلى عمليات جوية مكثفة في شمال سوريا والعراق.
أصبحت الحدود السورية والعراقية المشتركة مع تركيا مرتعا للمجموعات الإرهابية على مرأى ومسمع الحكومة السورية والعراقية.
مما دعا تركيا لتكثيف هجماتها الجوية للدفاع عن نفسها من هذا الخطر المدعوم من بعض الدول العظمى بحجة محاربة داعش، وهنا يجب أن نتساءل ما هو سبب تحالف الولايات المتحدة مع هذه المجموعات! ماذا تستطيع أن تفعله هذه التنظيمات، ولا تستطيع فعله تركيا!
اعتقد أن الجواب واضح، وهو أن الولايات المتحدة تريد الضغط على تركيا متى تشاء من خلال هذه المجموعات التي تدعي محاربة داعش!، ولكن تركيا لهم بالمرصاد فقد صرح وزير الدفاع التركي يشار غولر قبل أسبوع عن عدد الإرهابيين الذين تم تحييدهم خلال عام 2023 الذي تجاوز الألفين شخص.
وحاليا يقوم الجيش التركي بدك مواقع الإرهابيين في شمال سوريا والعراق بعد هجومين منفصلين على قاعدتين تركيتين في شمال العراق أسفرا عن استشهاد اثني عشر جندي تركي، وعلق الرئيس أردوغان على استشهاد الجنود الأتراك قائلا "تركيا لن تسمح بقيام أي كيان إرهابي في شمال العراق أو سوريا مهما كان الثمن و تركيا ستواصل بكل حزم تنفيذ استراتيجيتها في اجتثاث الإرهاب من جذوره حتى القضاء على آخر إرهابي".
لو لم يكن هناك إرهاب؟
مكافحة الإرهاب أمر مكلف جدا للدولة وخاصة إذا كانت الدولة بموضع جيوسياسي مهم وحساس كتركيا، وإنشاء ودعم الإرهاب أمر مكلف أيضا، ولكن يبدو أن الدولة الداعمة للإرهاب تربح أكثر مما تخسر في دعم الإرهاب فلديها أهداف استراتيجية كإضعاف تركيا وإعاقة مسيرتها نحو الحداثة والتطور والازدهار الاقتصادي والاجتماعي والصحي، وقد ذكر وزير الداخلية السابق سليمان صويلو في إحدى المناسبات تكلفة مكافحة الإرهاب في تركيا خلال 1984-2019 التي قدرت نحو ثلاثة ترليون وسبعمئة واثنين وعشرين مليون ليرة تركية، فلو لم يكن هناك إرهاب لاستطعنا فعل الكثير بهذا المبلغ الضخم، كنا نستطيع بناء مئة جسر مثل الجسر الثالث في اسطنبول، وبناء مئة سد مائي نوعي ومئة ألف كيلومتر من السكك الحديدية ومئة ألف كيلومتر من الطرق البرية بالإضافة إلى ألف محطة للطاقة الكهرومائية وألف مطار دولي متوسط الحجم وألف مستشفى ذو الألف سرير وألف مكتبة تتسع لألف شخص وألف مدرسة بها أربعة وعشرين فصلاً دراسيًا، نعم الحياة جميلة بدون إرهاب، ولكن للأسف علينا أن نتعامل مع الواقع الذي يفرض علينا تطوير الصناعات الدفاعية التي أصبحت مرغوبة من العديد من دول العالم بعد النجاحات التي حققتها في شمال سوريا والعراق وأذربيجان وليبيا وبعض المواقع المتوترة حول العالم.
مع كل الصعوبات تركيا مستمرة في محاربة الإرهاب، الدول الغربية وحلف الناتو جعلوا تركيا تواجه الإرهاب بمفردها، وكأن الإرهاب مشكلة تخص تركيا فقط، ولكن سيثبت لهم الزمن أنهم مخطئون، وأن الإرهاب مشكلة عالمية تتطلب تعاوناً دولياً حقيقياً فعالاً، وإلا سينتشر هذا المرض في كل أصقاع العالم تدريجيا، وعندها سيكون الوقت قد مضى، وفي النهاية يجب على أعداء تركيا أن يضعوا مقولة الرئيس أردوغان حلقا في آذانهم "سنأتي على حين غرة".