على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، يفقد الناس حياتهم دون سبب أو مقابل حيث يستمر المجتمع الدولي بتجاهل ما يحصل هناك.
وتشهد المنطقة الحدودية بين بيلاروسيا وبولندا مأساة إنسانية غاية في البشاعة والظلم منذ عدة أيام حتى الآن. وأكثر ما يحزن في الأمر، الوحشية المبالغ في قسوتها التي تُمارس على الأطفال والنساء وكبار السن. فالأطفال الذين يبلغون من العمر شهرين فقط يبكون من أجل الحليب، وكبار السن يتجمدون في البرد وتبحث الأمهات بشغف عن مأوى يقيهن وأطفالهن عذاب الموت البطيء. هناك على تلك الحدود تحتضر الإنسانية حقاً على مرأى ومسمع من كل البشرية الذين يشهدون جنازتها.
لا يريد الاتحاد الأوروبي قبول أي من هؤلاء اللاجئين، بل يريد بدلاً من ذلك إرسالهم إلى تركيا! فقد اقترح نيلس شميد عضو البرلمان الألماني عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي هذه الفكرة، مشيراً إلى اتفاق 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. وكان الاتحاد الأوروبي أبرم مع تركيا صفقة تستقبل بموجبها المهاجرين الذين رفض الاتحاد الأوروبي طلبات لجوئهم، وفي المقابل يدفع الاتحاد لأنقرة ما مجموعه 6.8 مليار دولار.
ومع ذلك، لا يبدو تقديم اقتراح بناءً على هذه الصفقة منطقياً بتاتاً، لأن الكتلة لم تلتزم بوعدها ولم تدفع المبلغ المتفق عليه. كما أن الاتحاد الأوروبي غيّر أيضاً معايير الأهلية للمهاجرين، ولم يعد يسمح بدخول أي شخص تقريباً ممن يسعون إلى إعادة بناء حياتهم في إحدى دوله.
ونظراً لأن هذا الاقتراح بدا لا أساس له من الصحة، فقد أدار الاتحاد الأوروبي وجهه نحو دول أوروبا الشرقية مثل أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا. لكن رد أوكرانيا كان سلبياً إذ صرح ميخايلو بودولاك المستشار الرئاسي في البلاد، أن أوكرانيا لا توافق على صفقة المهاجرين المقترحة. وقال: "الاقتراح ينم عن عدم احترام المهاجرين الذين لا ينبغي معاملتهم كأشياء يمكن نقلها من مكان إلى آخر لأغراض سياسية".
وحري بالقول في أزمة اليوم أيضاً، أن معظم الناس عبروا روسيا للوصول إلى بيلاروسيا. لذلك، يجب أن يُطلب من روسيا المساعدة أيضاً، لأنها دولة قوية جداً وتمتد على مساحة شاسعة.
كما أن هناك بعداً آخر للأزمة، وهو احتمال المواجهة العسكرية. حيث حذر جيران بيلاروسيا الأسبوع الماضي من مثل هذا الخطر الذي استجابت له أوكرانيا بنشر آلاف الجنود الإضافيين على الحدود ما زاد من حدة التوتر.
والحقيقة أن جميع الأطراف تبدو في هذه الأزمة مخطئة. فمن الواضح أن بيلاروسيا تستخدم البشر للضغط على أوروبا التي تعامل الناس بدورها مثل الحجارة بينما اختارت روسيا أن تنأى بنفسها بعيداً في هذه الدراما. ويُنظر إلى المأساة التي تؤثر على مئات العائلات على أنها لعبة قوة تتراشق فيها الأطراف المتناحرة بالناس بدل الرصاص.
وهنا تبرز شهامة أنقرة مرة أخرى في قبول اللاجئين. فقد استقبلت تركيا ملايين اللاجئين السوريين منذ أكثر من 10 سنوات. ولا تزال البلاد تحاول استيعاب أكثر من قدرتها وهي الدولة الوحيدة التي تعطي الأولوية للبعد الإنساني، بالرغم مما يدور في الداخل التركي من جدل سياسي حول اللاجئين السوريين، الذين قامت الحكومة بمجازفة سياسية من خلال مساعدتهم.
وهذه الاستراتيجية الجريئة تحسب للرئيس رجب طيب أردوغان وهي ليست غريبة ولا جديدة في نهجه، فهو يؤكد دائماً أن تركيا كبيرة وستساعد الآخرين على البقاء ما استطاعت. ووسط هذه المآسي تظهر قيمة هذا النهج القيم لأنه مثال عملي ممتاز في وقت يميل فيه الاتحاد الأوروبي وجميع الدول الغنية إلى تناسي المسؤوليات المتولدة عن العيش في عالم مترابط.