مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تزداد المخاطر المحتملة في المستقبل أيضاً. وفي هذا الصدد يمكن للأطراف المتحاربة أن تثق بموقف أنقرة الإقليمي والدبلوماسي.
وتستمر الأزمة الإنسانية في أوكرانيا في التفاقم يوماً بعد يوم، مع تكثيف روسيا لهجماتها العسكرية في البلاد. إنها بالفعل كارثة كاملة. ففي نهاية الأسبوع الماضي، ضربت موسكو مواقع للإنتاج العسكري بما في ذلك مصنع للمركبات المدرعة في العاصمة كييف. وأنا هنا لا أتحدث عن الأجزاء الشرقية من البلاد، بالرغم من أن ماريوبول على سبيل المثال، قد محيت عن الخريطة تقريباً وقد دمر القصف الروسي أكثر من 80% منها، بينما لا يزال العدد الدقيق للقتلى المدنيين ومعارك الشوارع غير معروف. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر موتوزيانيك، إن "الوضع في ماريوبول صعب ومعقد. ومع استمرار القتال يواصل الجيش الروسي دعوة وحدات إضافية لاقتحام المدينة".
ثم أصبحت الأمور أكثر وحشية بعد أن أعلنت كييف غرق سفينة موسكفا الحربية، الرائدة في أسطول البحر الأسود الروسي إثر تعرضها لهجوم صاروخي أوكراني. وتدّعي موسكو الآن أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل وأن العالم قلق من احتمال وقوع هجوم نووي.
من جانبه اتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن القوات الروسية بارتكاب أعمال إبادة جماعية في أوكرانيا، وألقى باللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمحاولة محو الهوية الأوكرانية. لكن الكرملين رفض مزاعم بايدن قائلاً "إنها غير مقبولة".
ويُنظر إلى "الإبادة الجماعية" على أنها أخطر جريمة ضد الإنسانية، ويتم تعريفها بموجب القانون الدولي على أنها "إبادة جماعية لمجموعة معينة من البشر". وفي حال أُقر وقوعها باستخدام هذا المصطلح بالذات، فربما تفتح الأبواب للتدخل الخارجي.
من ناحية أخرى، يبدو من غير المرجح أن ينهي بوتين الحرب لأنه يقول إن الغزو يسير كما هو مخطط له، لكن حديثه للجمهور بات نادراً هذه الأيام على عكس الأيام الأولى للغزو.
تركيا ملاذ آمن لكلا البلدين المتحاربين:
مع استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، يتنامى موقع تركيا كلاعب إقليمي وفقاً للمحللين. فأوكرانيا وهي واحدة من أكبر شركاء تركيا في صناعة الدفاع، تدافع عن أراضيها بمساعدة الطائرات التركية المسيرة بيرقدار. ومع ذلك، تحتفظ أنقرة أيضاً بعلاقات دبلوماسية مع موسكو ولم تفرض ضد بوتين عقوبات كما فعل الغرب. وبالتالي، يُنظر إلى تركيا على أنها ملاذ آمن لكلا الجانبين فهي عضوة في الناتو تزود أوكرانيا بأحدث الأسلحة وتحافظ على علاقات جيدة مع روسيا. وهو موقف مطلوب بشدة من أجل الوساطة لإحلال السلام. إذ يجب أن يكون هناك طرف يمكنه التحدث إلى كلا الجانبين وهذا "الطرف" هو تركيا.
ويعمل الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته على إنهاء الحرب من خلال الدبلوماسية التي تمثل جهوداً ثمينةً للغاية في مثل هذا العالم المستقطب الذي عادت إليه أجواء الحرب الباردة مرة أخرى لسوء الحظ، بل يمكن لهذه الأجواء أن تتحول إلى حرب عالمية حقيقية. وفي خضم هذه الأزمة الإنسانية، تبرز جهود الوساطة التركية كثمرة لسياسةٍ جيدة التخطيط.
ولخص وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو موقف البلاد الحالي بقوله إن تركيا لا تزال متفائلة بحذر من الهدنة بين روسيا وأوكرانيا، مضيفًا أن الوضع معرض لخطر التدهور أو أن يصبح أكثر تعقيداً إذا ما طال أمد الحرب. وتهدف أنقرة إلى عرقلة حدوث مثل هذا الخطر بسعيها لإبقاء قنوات الحوار نشطة وحيوية، بينما تعمل كجسر اتصال بين الأطراف المتقاتلة، ما يمنحها دوراً فريداً في هذه الحرب.