يمثل تطبيع أنقرة لعلاقاتها مع جيرانها وشركائها الإقليميين حجر الأساس لعصر إيجابي مزدهر للمنطقة بأسرها
افتتحت تركيا والإمارات العربية المتحدة فصلاً جديداً بينهما بزيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الإمارات الأسبوع الماضي. وستمهد زيارة أردوغان التي جاءت بعد زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة في نوفمبر/تشرين الثاني، الطريق لتجديد التعاون بين البلدين في مجالي التجارة والدفاع.
وتعتبر هذه الخطوة هامة واستثنائية لأن البلدين ابتعدتا عن بعضهما لسنوات عديدة بسبب بعض القضايا الحساسة، بما في ذلك الوضع في ليبيا ومقاربة نتائج الربيع العربي. فتركيا تنظر إلى الإمارات على أنها دعمت عناصر شاركت في محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016، أما الإمارات فترى أن حكومة أردوغان تقف إلى جانب القوى المعارضة ضد الأنظمة العربية القائمة.
فهل يمكن القول إن التقارب الحالي فوز لكليهما؟
بعد تنحية المشاكل السابقة جانباً، صار من المؤكد أن التقارب يحقق ميزة لكلا الجانبين، إذ تحتاج الإمارات العربية المتحدة إلى شريك قوي مثل تركيا في المنطقة، وتستفيد تركيا من العلاقات الجيدة مع الإمارات من الناحية الاقتصادية والأمنية. وبالتالي أرى التقارب يمثل صفقةً مربحةً للجانبين.
وفي هذا السياق قال أنور قرقاش مستشار الشؤون الدبلوماسية لولي العهد محمد بن زايد، إن زيارة أردوغان "تفتح صفحة إيجابية جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين" مضيفاً أنه ينبغي النظر إلى الاجتماع من زاوية تعزيز قنوات الاتصال مع مختلف الدول لدعم الاستقرار والتعاون الإقليمي.
وأكد وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق الماري، أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تقوم على أرضية صلبة وهي ماضية في التحسن رغم التحديات الإقليمية والدولية.
وشهدت زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان والوفد المرافق له ترحيباً كبيراً وحفاوةً منقطعة النظير إذ شهد برج خليفة أطول برج في العالم، عرضاً للعلم التركي، وتم تنظيم حفل استقبال كبير للرئيس في قصر الوطن القصر الرئاسي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وخلال الزيارة أشرف أردوغان ومحمد بن زايد على توقيع 13 اتفاقية، بما فيها اتفاقيات التجارة والصناعة والدفاع والصحة والنقل والمناخ. ومن المتوقع أن يؤدي تجديد العلاقات بين البلدين إلى اتفاقات استثمارية بمليارات الدولارات، بعد أن شجع كلا الجانبين الجهات الفاعلة على الانخراط في مزيد من التعاون، ودعا أردوغان رجال الأعمال إلى الاستثمار في تركيا.
وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة أعلنت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني أنها خصصت مبلغ 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات الاستراتيجية بشكل أساسي في تركيا. وفي الشهر الماضي، اتفق البلدان على صفقة تبادل العملات بقيمة 4.7 مليار دولار بالعملات المحلية. وأعربت الإمارات عن أملها في مضاعفة حجم تجارتها مع تركيا 2-3 مرات.
هذه التطورات إيجابية للغاية بالنسبة لتركيا التي تحاول توسيع علاقاتها مع العديد من الدول والتغلب على المشاكل القائمة، الأمر الذي يصب في النهاية في مصلحة البلاد والشعب التركي.
علاوة على ذلك، ستكون زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ المرتقبة، خطوة جيدة في تسريع العلاقات السياسية الخارجية.
وأنا أعتقد أن تركيا التي تتمتع بعلاقات جيدة مع مصر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وبقية العالم، أقوى بكثير وأفضل حالاً من تركيا التي لديها مشاكل مع جيرانها ودول المنطقة، وخصوصاً في زمن يواجه فيه العالم العديد من التحديات، من الأزمة الأوكرانية إلى المشاكل الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا والتوتر المتسارع بين الولايات المتحدة وروسيا.
ولأن تركيا تدرك جيداً أن الشراكات الاستراتيجية والتحالفات متعددة الأقطاب ثمينة جداً في مثل هذه الأوقات، تواصل أنقرة متابعة هذه الاستراتيجية وتعزيزها في المستقبل القريب.