بالاعتماد على خارطة الطريق التي وضعها الرئيس أردوغان ووزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو، تمارس تركيا شكلاً فريداً وتاريخياً من الدبلوماسية القادرة على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
لقد أنهت الحرب في أوكرانيا شهرها الأول بصور من الدمار والمآسي المروعة. ولا يمكن على وجه الدقة معرفة عدد القتلى المدنيين الذي يقدر بالآلاف ولا عدد الجرحى والمفقودين. مع كل ذلك لا يزال الأمل يلوح في الأفق بعد أن تمكنت محادثات إسطنبول من الجمع بين الوفدين الأوكراني والروسي للتوصل إلى حل سياسي قد يشكل أرضية للحوار البناء. وأعلنت موسكو على سبيل المثال نيتها في سحب جنودها من مدينتي كييف وتشرنيهيف.
ولأن الوعود يجب أن تكون مدعومة بالأفعال، لا تزال الشكوك حول صدق موسكو تخامر أوكرانيا والغرب، وهو أمر مفهوم إذ يُعتقد أن روسيا ربما تحاول خداع أوكرانيا. ومع ذلك صنعت دبلوماسية الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو، نقطة تحول في الحرب الروسية الأوكرانية إلى درجة أن العالم بات يراقب جهود تركيا الدبلوماسية للجمع بين الجانبين. كما تحدث أردوغان إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التوالي، وحثّ الزعيمين على الاجتماع معاً في تركيا لإجراء حوار مباشر بينهما.
وناقش أردوغان وبوتين اجتماع إسطنبول الذي قال الرئيس التركي إنه رفع الآمال بالسلام ووصفه بـ "البناء" و"الإيجابي"، فيما شكر بوتين أردوغان على استضافة الاجتماع. وخلال الاتصال مع زيلينسكي، قال أردوغان إن تركيا مستعدة من حيث المبدأ للعمل كدولة ضامنة لأمن أوكرانيا.
وصار من الواضح للجميع مع هذه الجهود المكثفة لإرساء السلام، أن كلا الجانبين أصبح أقرب لإجراء حوار قد ينهي هذه الحرب الطاحنة. وقال أردوغان إن زيلينسكي إيجابي للغاية بشأن الاجتماع مع بوتين وجهاً لوجه، بينما أعرب بوتين بدوره عن موقف إيجابي بدا جديداً بعد أن كان الزعيم الروسي متردداً لإجراء مثل هذا الاجتماع في وقت سابق.
العلاقات التركية مع كل من روسيا وأوكرانيا
إن مفتاح الدبلوماسية التي تنخرط بها تركيا هو موقف البلاد من كل من الأطراف المتنازعة. فتركيا عضو في الناتو وتحدها أوكرانيا وروسيا من جهة البحر الأسود ولديها علاقات اقتصادية وعسكرية جيدة مع كلا الجانبين. على سبيل المثال، منحت بطريركية الروم الأرثوذكس في فنار، الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية الاستقلال الذاتي في إسطنبول عام 2018، وباعت تركيا طائرات بيرقدار المسيرة المسلحة التي أصبحت أقوى سلاح في كييف، إلى أوكرانيا بينما اشترت أيضاً صواريخ إس-400 من موسكو. وتعتمد تركيا بشكل كبير على السياح الروس لكنها تعارض السياسات الروسية في سوريا وليبيا وتقف ضد ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
وبذلك يتضح أن نتائج السياسة الخارجية التركية متعددة الأبعاد قد منحت أنقرة قوة بقاء فريدة تتجاوز إصلاح كتل الحرب الباردة. ومع أن البلاد عضو في الناتو ودولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، لكن تركيا لا تريد تكرار خطاب الحرب الباردة ثنائي الأبعاد في السياسة الخارجية، وهو ما يمنح تركيا وأردوغان قوة خاصة في السياسة الدولية.