تتواصل التحديات التي تتعرض لها الحكومة التركية منذ عام 2013، من احتجاجات حديقة غيزي إلى محاولات الانقلاب القضائي في 17 و25 ديسمبر/كانون الأول، وصولاً إلى محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 15 يوليو/تموز التي استهدفت أركان الدولة وعدداً من مؤسساتها.
وأُطلقت خلال الأعوام الماضية العديد من الحملات المحلية والإقليمية والعالمية لإضعاف قدرة تركيا وكسر شوكتها. كما تعرضت البلاد إلى النقد ومناقشة قضاياها حتى خلال الحملات الانتخابية في دول أوروبية مختلفة.
وبالرغم من القتال المستمر مع مختلف المنظمات الإرهابية والجهات الفاعلة العنيفة من دول خارجية، جنباً إلى جنب مع المحاولات المستميتة لمختلف الفاعلين السياسيين القانونيين وبعض الدول الإقليمية والقوى العالمية لزعزعة الأمن والاستقرار فيها، استمرت تركيا في حماية أمنها القومي والحفاظ على مسارها السياسي.
كما استمر الاقتصاد التركي في النمو بالرغم من كل هذه الهجمات والعديد من التطورات الضارة الإضافية، مع تأهب قوات الأمن التركية بكامل جهوزيتها داخل البلاد وفي مناطق الأزمات الإقليمية لحماية المصالح الوطنية التركية. وعلى سبيل المثال حطمت تركيا الأسبوع الماضي الأرقام القياسية بتجاوز صادراتها 200 مليار دولار على مدى 12 شهراً. ومن المتوقع أن يصل معدل النمو التركي إلى حوالي 5%.
كذلك تحاول بعض الدوائر المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي زيادة الضغط وافتعال الأزمات باستمرار كما في الآونة الأخيرة، من خلال مناقشة أوضاع اللاجئين في تركيا بالرغم من عدم وجود تطورات جديدة هامة تتعلق بالموضوع.
ومؤخراً، بدأت نفس المجموعات باستغلال حرائق الغابات في مناطق مختلفة من البلاد والدعوة إلى استقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة. مع أننا إذا نظرنا إلى الإحصائيات المتعلقة بحرائق الغابات في تركيا، نرى أن الحكومة بعد أن حشدت مواردها وبدأت بمكافحة النيران تمكنت بالفعل من إخماد أكثر من 85-90% من الحرائق التي اندلعت في البلاد ويرجع استمرار بعض الحرائق الكبيرة أساساً إلى الطقس الحار والجاف والرياح القوية. بعبارة أخرى، لا يوجد أي وضع استثنائي قد يضر بالنظام السياسي في تركيا.
لكن عدداً من الهشتاغات الملغومة استخدمت بخباثة في بعض منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وإنستغرام على غرار "ساعدوا تركيا" و"نداء للعالم" مدعيةً أن الحكومة التركية لا تستطيع التعامل مع حرائق الغابات أو التعامل مع قضايا أخرى بهدف إظهار أن الدولة التركية عاجزة ولا تملك الكفاءة.
وتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن معظم حسابات وسائل التواصل الاجتماعي هذه هي حسابات مزيفة ويعيش مستخدموها خارج تركيا. ومع ذلك، فقد استخدم العديد من الأشخاص الحقيقيين أيضاً هذه الهشتاغات. ومما زاد الطين بلة، أن بعض الشخصيات السياسية من الأحزاب السياسية المعارضة صارت تستخدم هذه الرسائل ضد الحكومة. ووصل عدد تكرار إحدى هذه الهشتاغات التي تدعو إلى المساعدة الدولية لمكافحة الحرائق في تركيا بسرعة خيالية إلى 2.5 مليون في غضون عدة ساعات.
ولكن ما الهدف من وراء ذلك؟
هناك عدة أهداف لعملية التأثير على تركيا. أولها والرئيسي بينها هو إسقاط حكومة تركيا والنيل من شخصية رئيسها رجب طيب أردوغان.
فالمعارضة السياسية في تركيا وأنصارها في الخارج يعتبرون أن أردوغان وحكومته يمثلان العقبة الرئيسية أمام تحقيق أهدافهم السياسية، التي تتمثل بالتخلي عن القتال ضد تنظيم بي كا كا الإرهابي وفروعه، وكذلك التخلي عن تطهير البلاد من أعضاء جماعة غولن الإرهابية والانقلابيين إضافةً إلى إغفال الطرف عن الحقوق المشروعة شرق البحر المتوسط وعدم التدخل العسكري في الأزمات الإقليمية مثل سوريا وليبيا وقره باغ، والتوقف عن نهج سياسة خارجية متمركز حول أنقرة. وبعبارة أخرى، الهدف الرئيسي من هذه العمليات هو إعادة تركيا إلى وضعها الضعيف في حقبة الحرب الباردة.
ومن الأهداف أيضاً محاولة تعبئة الشعب التركي ضد الحكومة، وتحويله إلى مجموعات اجتماعية أو سياسية بعضها ضد الآخر من أجل خلق عدم استقرار اجتماعي وسياسي.
لذلك، فإنهم يبالغون في التطورات السلبية مثل قضية اللاجئين الذين يعيشون في البلاد، ويلعبون على خطوط الصدع الاجتماعي والسياسي مثل الأتراك والأكراد والعلويين والسنة والعلمانيين المحافظين.
إن استغلال قضايا مثل حرائق الغابات أو اللاجئين لا تهدف لإصلاح المشكلة بتاتاً وإنما لإثارة وجهات نظر متضاربة، لأن الجميع يعرف أن سقوط الحكومة بوسائل غير مشروعة أو بعد احتجاجات شعبية لن يجلب الرفاهية أو الاستقرار للبلاد.
وتخدم استفزازات بعض القوميين الأتراك الراديكاليين ومعظمهم من أحزاب المعارضة السياسية والجماعات الموالية لتنظيم بي كا كا الدموي، نفس الغرض: زعزعة استقرار تركيا وربما إطلاق حرب أهلية.
فعلى سبيل المثال، تم الكشف عن أن مقطع فيديو قصير شاركته مجموعة مؤيدة لـ بي كا كا تدعي مسؤوليتها عن الحرائق يعود في الواقع إلى تسجيل غير ذي صلة من عام 2019.
كما أظهر رد فعل صحفية منشقة رائدة على حرائق الغابات في اليونان وحرائق تركيا موقفاً متحيزاً ضد تركيا في رسالة واضحة شاركتها حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الداخلية والخارجية.
ففي حين بدت نظرتها إنسانيةً تماماً تجاه الحرائق في اليونان فإن رؤيتها لحرائق تركيا سياسية محضة، لأنها لا تهتم بما يجري على الأرض. ولسوء الحظ، ساهم العديد من المشاهير المناهضين للحكومة بالمثل في التلاعب بالحقائق في البلاد.
ويزعم بعض الصحفيين المعارضين أنه لم تعرض أي دولة المساعدة على تركيا، بينما زعم البعض الآخر أن الحكومة رفضت المساعدة التي قدمتها بعض الدول مثل اليونان وإسرائيل.
كل هذه الرسائل والادعاءات تم دحضها من قبل الصحافة النزيهة الموجودة في ساحة الأحداث وكذلك من خلال التصريحات الرسمية. حيث شهدت القوى الداخلية والخارجية أن تركيا زادت من قوتها وقدرتها على التعامل مع جميع المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والسيطرة عليها.
وختاماً من المؤكد أنه حتى عملية التأثير العالمي الهائلة هذه لن تغير هذا الواقع، بل محكوم عليها مثل كل العمليات السابقة بالفشل. لأن الحكومة وجميع مؤسسات الدولة تعمل وتكافح الحرائق فعلاً. وأنا شخصياً أشكر أولئك الذين يقاتلون على الأرض لإطفاء الحرائق وآمل أن تتم السيطرة على حرائق الغابات في وقت قصير.