يمثل اغتيال قاسم سليماني، ثاني أكثر الشخصيات نفوذاً في النظام الإيراني بعد الزعيم الروحي الأعلى آية الله علي خامنئي، نقطة تحول فارقة في سياسات الشرق الأوسط على عدة مستويات. فالرجل لم يكن قائداً سياسياً ولا عسكرياً عادياً، بل كان يقوم تقريباً بجميع العمليات العسكرية الإيرانية في الشرق الأوسط، بدءاً من لبنان وسوريا وصولاً إلى اليمن. لذلك لا بد أن يترتب على مقتله آثار هامة على مستوى السياسة الداخلية الإيرانية، ومستوى العلاقات الثنائية الإيرانية - الأمريكية، بالإضافة إلى السياستين الإقليمية والدولية.
بدايةً، عزز موت سليماني القومية الإيرانية، وساهم في توحيد الشعب الإيراني. بعبارة أخرى، قاد قتل سليماني النتائج إلى عكس المرجو منه، من زيادة العداء لأمريكا، ليس في إيران فحسب بل في كل الشرق الأوسط. ودعّم سلطة النظام الإيراني الذي لم تعد إزاحته عن سدة الحكم أولوية بالنسبة للشعب الإيراني، بقدر الانتقام من عدو أجنبي جعل الشعب في خندق واحد مع حكامه. فقد أوقف اغتيال سليماني المظاهرات الشعبية الحاشدة المستمرة ضد الحكومة الإيرانية، وحوّل الكراهية التي كانت تسود الشارع الإيراني تجاه الولايات المتحدة. ويمكننا القول إن الهجوم الأمريكي أرجأ بالفعل الانقسامات المحلية داخل إيران.
بالإضافة إلى ذلك، خلق توحيد الصف الداخلي الإيراني توقعاً قوياً بأن الحكومة الإيرانية لا بد أن ترد على الغارة الجوية الأمريكية من أجل تلبية تطلعات شعبها وإظهار قوتها الرادعة أمام الدول الفاعلة الإقليمية والعالمية.
كما أدى مقتل سليماني إلى تصعيد التوتر في العلاقات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة بشكل كبير. قام ترامب بعد توليه منصب الرئاسة، بانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق النووي الذي سبق أن وقعت عليه إيران مع ست دول تمثل القوى العالمية، بمن فيهم الولايات المتحدة، وفرض عقوبات على إيران. وبعد اغتيال سليماني، تضاءل احتمال التقارب الإيراني الأمريكي بشكل كبير. وصار من العسير على الدولتين تحسين علاقاتهما الثنائية.
وإذا أمعنا النظر بالرسائل التي تبادلها السياسيون والمسؤولون الإيرانيون والأمريكيون، نجد أن كلا الطرفين مصممان على التهديد والانتقام. فالحرس الثوري الإيراني أعلن مطلع الأسبوع أن رده على الضربة الجوية الأمريكية سيكون قاسياً. كما أعلنت القيادة الإيرانية أن 35 هدفاً أمريكياً تقع في مرمى صواريخها، بينما أجاب الرئيس دونالد ترامب مهدداً بضرب 52 هدفاً إيرانياً محتملاً، بينها مواقع تاريخية وأثرية.
أما على مستوى السياسة في الشرق الأوسط، فإن آثاراً عديدة تترتب على اغتيال سليماني. فتصعيد التوتر بين إيران والولايات المتحدة قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في المنطقة، نتيجة الضعف والحساسية اللذان يسودان الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تتأثر جميع دول المنطقة تقريباً بهذا التطور بطريقة أو بأخرى.
كذلك سيؤثر مقتل سليماني على سياسة إيران تجاه الأزمات الإقليمية، بما فيها العمليات العسكرية والتوقعات السياسية للمنطقة. فقد كان سليماني يقوم بحشد الوكلاء المؤيدين لإيران والميليشيات والأقليات الشيعية والعديد من الجهات الإقليمية الفاعلة وغير الحكومية، بما في ذلك بعض المنظمات الكردية في كل من العراق وسوريا. وهو معروف أيضاً بأنه المسؤول عن مقتل آلاف الأبرياء في اليمن ولبنان والعراق وسوريا التي تعاني كلها أزمات داخلية.
لذلك، يتعين على إيران من أجل حماية وزنها الإقليمي، أن تملأ الفراغ الذي خلفه مقتل الرجل، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على موقع إيران في المنطقة عموماً وفي سوريا على وجه الخصوص. من ناحية أخرى، اعتُبر مقتل سليماني حدثاً إيجابياً في المنطقة بالنسبة للذين عانوا من العمليات العسكرية الإيرانية، حيث جاء موت سليماني تطوراً إيجابياً يمكن أن يعيق تلك العمليات.
علاوةً على ذلك، من شأن موت سليماني أن يؤثر على علاقات إيران مع دول المنطقة الأخرى. فالعراق الذي كان يشهد مظاهرات جماهيرية مناهضة لإيران، تحولت كراهية شعبه وسياسييه الذين لا يريدون أن تصبح بلادهم ساحة حرب بين أمريكا وإيران، نحو الولايات المتحدة. وصوّت البرلمان العراقي يوم الأحد على طرد القوات الأمريكية من البلاد، رغم أن القرار قد رفضه المسؤولون الأمريكيون، وصرح الرئيس ترامب ووزير دفاعه بوضوح أن الولايات المتحدة لن تغادر البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، تشعر دول الخليج الحليفة لأمريكا والتي تستضيف العديد من القواعد العسكرية الأمريكية، بالقلق من الهجمات الإيرانية المحتملة، التي يمكن أن تستهدف بها المملكة العربية السعودية أكثر الدول عداء لها، بشكل مباشر أو من خلال وكلائها الحوثيين في اليمن.
كذلك يمثل موت سليماني تمزقاً في السياسة العالمية. حيث تواصل الحكومة الأمريكية انتهاك المبادئ الرئيسية للقانون الدولي. فبعد الاعتراف بـ"القدس الموحدة" عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بضم مرتفعات الجولان والمستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية، انتهكت الولايات المتحدة سيادة العراق واستهدفت مسؤولاً إيرانياً على أراضيه، بالإضافة إلى ما أثاره إعلان الولايات المتحدة التعسفي لجزءٍ من القوات المسلحة الرسمية الإيرانية كمنظمة إرهابية وقائدها كإرهابي، من أسئلة حول السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة هي ذاتها من أقامت تحالفاً مع الحشد الشعبي وقاسم سليماني أثناء حربها ضد داعش في العام الماضي. وهي ذاتها من غيرت موقفها بشكل كبير بالرغم من عدم تغير أي شيء في سياسات هذه المنظمات. وبكلمة معبرة فإن موقف الولايات المتحدة متناقض وغير منسجم.