أخذت منطقة شرق البحر المتوسط تكتسب أهميةً متزايدة، بالنسبة للأطراف الإقليمية والقوى العالمية. بالنسبة لتركيا تكتسب المنطقة، التي أصبحت مصدر تهديد لها بسبب الأنشطة الانفرادية لبلدان إقليمية أخرى، أهمية خاصة من نواح متعددة.
بدايةً، على تركيا أن تضع إستراتيجيات جغرافية ودبلوماسية وقانونية واقتصادية وعسكرية، تجاه منطقة شرق المتوسط، حتى تتمكن من حماية مصالحها وكذلك مصالح القبارصة الأتراك. وتكتسي الخطوة الأخيرة التي اتخذتها تركيا أهمية في هذا السياق، حيث أنشأت تركيا وكالة تنسيق شؤون قبرص برئاسة نائب الرئيس أو أحد الوزراء وهي تهدف إلى ضمان التنسيق الكامل لعلاقات تركيا مع جمهورية شمال قبرص التركية.
تجد تركيا والقبارصة الأتراك أنفسهم مضطرين إلى الحفاظ على التوازن في المنطقة، للدفاع عن مصالحهم. وقد انطلقت سفينتا التنقيب التركيتان، "ياووز" و"الفاتح"، في البحث عن موارد الغاز الطبيعي في المنطقة، لكن اليونان وقبرص الرومية تحاولان عرقلة عمليات التنقيب التركية، عن طريق التهديد والمنع. وقد اتبعت الدولتان استراتيجية دبلوماسية ثلاثية المسارات، أحدها ثنائي والآخر إقليمي والثالث دولي. على المستوى الثنائي، يحاول الجانب اليوناني صد تركيا عن دخول المنطقة. وهذا يعدُّ تقويضاً لحقوق تركيا في منطقتها الاقتصادية الحصرية، والجرف القاري الخاص بها.
كذلك تحاول الدولتان استغلال مبادئ القانون الدولي ذات الصلة، حيث أصدرت الإدارة القبرصية الرومية أوامر اعتقال دولية لـ 25 شخصاً من بينهم عمال في سفينة التنقيب التركية، في المياه قبالة سواحل قبرص، بالإضافة إلى أوامر اعتقال شملت العديد من المسؤولين في الشركات العاملة مع مؤسسة النفط التركية.
أما على المستوى الإقليمي، فإن الجانب اليوناني يحاول حشد دول إقليمية أخرى ضد تركيا، مستفيدين من الأجواء الإقليمية، في محاولة لإنشاء كتلة إقليمية معادية لتركيا، وبالتالي عزلها وإقصاء نشاطها عن منطقة شرق المتوسط من خلال التعاون مع إسرائيل ومصر. ويعد إنشاء منتدى الطاقة المتوسطي، أهم مؤشر على محاولة العزل والتهميش هذه.
على المستوى الدولي، يحاول الجانب اليوناني حشد الدعم على مستوى أوروبا ضد تركيا. والواقع أنهم نجحوا في تعبئة الاتحاد الأوروبي لصالحهم.
وفي المحصلة، باتت جميع تفسيرات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمنطقة، مؤيدة لليونان. على سبيل المثال، أوضحت سلطات الاتحاد الأوروبي مؤخراً أنها تشعر بالقلق إزاء أنشطة الحفر التي تقوم بها تركيا في المنطقة، زاعمةً أن أنشطة أنقرة تنتهك سيادة القبارصة الروم وبالتالي تزيد من التوتر.
وبالرغم من كل ذلك، لن تتخلى تركيا مطلقاً عن أنشطتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لأن شرق المتوسط يمثل منطقة حيوية لسيادتها الوطنية. وأي تطور في المنطقة يؤثر بشكل مباشر على المصالح الوطنية التركية.
لذلك، فإن السلطات التركية تتمسك بالرد على أي تطورات معادية لها. كما يولي الجانب التركي الأولوية للمفاوضات الثنائية، ويدعو الجانب الآخر إلى احترام مبادئ القانون الدولي.
أما إذا ما اقتضت الحاجة، فإن تركيا مستعدة للتحدث بنفس اللغة، وتعبئة قوتها العسكرية لردع الآخرين. وفي هذا السياق، بدأت السفن الحربية والطائرات التابعة للبحرية التركية والقوات الجوية التركية، تسيير دوريات في المنطقة.
علاوة على ذلك، أرسلت تركيا طائراتها المسلحة المسيرة ذاتياً من طراز "بيرقدار" التكتيكية، إلى المياه الإقليمية، لتوفير الحماية الكاملة لسفنها العاملة هناك. هذه الخطوة كانت كفيلة بتقديم الدعم الإستراتيجي للقوات المسلحة التركية، وتسببت في نوع من الصدمة للجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.
"قدرت أوز إرساي" وزير خارجية جمهورية شمال قبرص التركية، أكد في بيان له في جنيف، أن سفينتي التنقيب التركيتين تهدفان إلى استعادة التوازن الإقليمي وحماية السلام والاستقرار الإقليميين.
وأشار إلى أن الجانب التركي متواجد على الأرض بقوة وسيبقى في المنطقة، لممارسة حقوقه المنبثقة عن القانون الدولي.
وقد زادت تركيا من طاقتها وقدرتها على العمل على المستويات التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية، خاصة بوجود الطائرات بدون طيار المسلحة، المتمركزة على متن السفن البحرية التركية العاملة في منطقة الصراع.
لقد أظهرت التطورات الأخيرة مرة أخرى، أن تركيا هي واحدة من أكثر الدول فاعلية، وأنها لاعب أساسي بل وقادر على تغيير قواعد اللعب في المنطقة، وأنها كذلك تتمتع بقوة دفاعية كبيرة.
تركيا مصممة على عدم السماح بحدوث أي أمر واقع، أو أي أنشطة حفر وتنقيب من جانب واحد مثل الجانب اليوناني، وهي مصممة على مبارزة أي خطوات اقتصادية وعسكرية في المنطقة. وأخير، مؤكد أن تركيا ستواصل أنشطة الاستكشاف والبحث في شرق البحر المتوسط.