في السنوات الأخيرة، اتبعت الولايات المتحدة سياسات متناقضة تجاه دول الشرق الأوسط. وراحت الحكومة الأمريكية تعتمد على دولتين من دول الخليج من أجل تطبيق سياستها الإقليمية، وهما الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية.
وبالرغم من التغييرات في كل من الولايات المتحدة، والشرق الأوسط، إلا أن الولايات المتحدة، التي تفهم أحدث التطورات الإقليمية، لا تريد قبول الحقائق الجديدة في المنطقة. من ناحية أخرى، انخفضت قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على هذه التطورات، بشكل كبير. وبعبارة أخرى، شهدت الولايات المتحدة تراجعاً واضحًا في هيمنتها، حيث باتت الآن تواجه صعوبات في بناء نظام إقليمي.
كذلك، فإن جميع البلدان الإقليمية تقريباً، زادت من قدراتها في مجال الطاقة وطورت اقتصاداتها. وعليه، فإن دولًا مثل السعودية ومصر تتبع سياسات خارجية متنوعة ومتعددة الأبعاد، مما أدى إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة.
يبدو أن المملكة العربية السعودية تعتبر واحدة من الركائز الأساسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. إلا أن حكومة الولايات المتحدة لا تقرأ السياسات السعودية، قراءة صحيحة، لأنها لا تأخذ في الاعتبار التغير الكبير الذي طرأ على الولايات المتحدة والسعودية. فعلى سبيل المثال، تعتبر الولايات المتحدة المورد الرئيسي للأسلحة بالنسبة للسعودية، إلا أن الصين هي أكبر شريك تجاري. لذلك، تتمتع الرياض بعلاقة خاصة مع بكين، ولا تدعم السياسات الأمريكية المعادية للصين.
وخلال زيارته الأخيرة إلى بكين، دافع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن حق الصين في وضع مسلمي الإيغور، في معسكرات الاعتقال، وزعم أن الصين لديها الحق في مكافحة الإرهاب، وتنفيذ سياسة نزع التطرف، من أجل أمنها القومي. في الوقت الذي ينظر فيه ولي العهد السعودي إلى سياسة الصين على أنها كفاح ضد الإرهاب، فإن الحكومة الأمريكية تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان الصينية.
إن كلفة التعاون المستمر لإدارة ترامب مع النظام السعودي، ترتفع بشكل متزايد، وتستمر في الارتفاع. فبالرغم من انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان في السياسة الداخلية، وتدخلاتها في الأزمات الإقليمية، وما تعرضت له من نقد من قبل العالم بمعظم دوله، إلا أن عمليات الإعدام السعودية لا تتم المساءلة حولها، من قبل الادارة الأمريكية.
على سبيل المثال، قام فريق سعودي رسمي بإعدام الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في اسطنبول. ويعرف العالم كله أن إعدام الصحفي، جاء بناء على تعليمات ولي العهد السعودي شخصياً، وهو مسؤول عن هذا الإعدام. بالاضافة إلى أن قضية خاشقجي ما زالت تؤثر سلباً على النظرة إلى المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فقد فشل ترامب في انتقاد الأمير السعودي مباشرة، فيما يتعلق بهذا الأمر.
علاوة على ذلك، تواصل الحكومة السعودية انتهاك حقوق الإنسان في الأزمة اليمنية وقتل الآلاف من اليمنيين الأبرياء. ومؤخراً، بدأت العديد من الدول الغربية مثل ألمانيا وكندا في اتخاذ تدابير ضدها، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية. مرة أخرى، صمتت الولايات المتحدة عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.
الحليف الأمريكي الآخر الذي يسبب المشاكل، وهو عبء على السياسة الأمريكية هو مصر. هذا اللاعب الإقليمي ذو الوزن الثقيل سابقاً، يعاني اليوم من العديد من المشاكل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. وبعد اعتماد مصر على الإمارات والسعودية، هبط الدعم المالي الذي كانت تتلقاه منهما، إلى مستويات أدنى. وكجزء من تنفيذ المشروع الإقليمي الإماراتي والسعودي، قامت حكومة عبد الفتاح السيسي باضطهاد الإخوان المسلمين، وإعدام الأبرياء بناء على بعض التهم المزعومة. لكن الحكومة الأمريكية ومعظم الدول الغربية، يواصلون دعم نظام السيسي، رغم كل فظائعه.
من ناحية أخرى، نجد أنه في الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة، الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط، بإصرار شديد، فقد استمرت في استبعاد تركيا، حليفتها الوحيدة في حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط، والديمقراطية الوحيدة الفعّالة في المنطقة. لا تزال الحكومة الأمريكية تفضل إشاعة عجز الديمقراطية في تركيا بدلاً من انتقاد منتهكي حقوق الإنسان الأساسية، ومنتهكي القانون الدولي.
لقد كانت الولايات المتحدة، تواجه صعوبات في الدفاع عن الفظائع الإسرائيلية، فقط. الآن عليها أن تدافع عن الفظائع التي ارتكبتها العديد من الأنظمة الاستبدادية. كل هذه التطورات ستحدد التوازن المستقبلي لحسابات القوة المهيمنة في المنطقة. لكن، على المدى الطويل، تبدو السياسة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط، غير مثمرة، وبالتالي يمكننا القول بأنها هزيمة ذاتية للسطوة الأمريكية في الشرق الاوسط.