مع بداية الحراك الشعبي والثورات العربية، شهد الشرق الأوسط تحولًا كبيرًا خلال السنوات الثماني الماضية. وتمضي عملية التغيير في المنطقة، لكن اتجاهها لا يزال غير معروف. لكن شيئاً واحدا فقط يتضح جلياً، وهو أن توازن القوى الإقليمي غير مستقر وأن هناك تعديلاً شاملاً لتوازن هذه القوى.
فبالتوازي مع النظام العالمي، كان هناك قطبان في الشرق الأوسط خلال فترة الحرب الباردة: الجماعات الموالية للوضع والجماعات المخالفة له. ومع ذلك، يوجد حاليا ثلاثة أقطاب مختلفة على الأقل. وعلى ما يبدو فإن هذه الأقطاب الاقليمية أقطاب مختلفة متعارضة مع بعضها لا تفرز إلا أوامر متضاربة. أولها الائتلاف المتحالف بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بدعم من إسرائيل، وهذا القطب يؤيد الوضع السابق. أي أن هذه المجموعة من الدول تعارض وتقاوم الصحوة العربية والمطالب الشعبية وعملية التحول الديمقراطي والاستقلال الوطني.
القطب الثاني أو المجموعة الثانية التي تقودها إيران والتي استفادت من الصراعات الطائفية. إيران التي تمثل الأقلية الشيعية في المنطقة، تقود هذه المجموعة وتدعم الجماعات الشيعية في الدول العربية.
أما المجموعة الثالثة من الفاعلين فهي دول بقيادة تركيا التي تتبنى موقفاً تصحيحياً معتدلاً، وهي تدعو إلى التغيير التدريجي ومناصرة المطالب الشعبية.
على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين الإدارات الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة تحاول بشكل عام الاستثمار في المجموعة الأولى. في حين تتبع إدارة ترامب سياسة إقليمية أكثر وضوحًا وقطبية. فقد عمل ترامب وفريقه على تعزيز الكراهية وإضفاء الشيطانية على إيران. في الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة تشجع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على اتخاذ إجراءات ضد إيران. وبدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل، تقوم دولتان من دول الخليج بتعبئة دول إقليمية أخرى ليس فقط ضد إيران ووكلائها، بل ضد تركيا وقطر والحركات الإسلامية المعتدلة.
الواقع أن تركيا وحلفاءها الإقليميين، بالنسبة لهذه المجموعة، يمثلون تهديدًا أكبرمن تهديد إيران ووكلائها، لأنهم يعتقدون أن تركيا وحلفاءها هم العقبات الرئيسية أمام عودة النظام القديم.
على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فعالة إلى حد كبير في المنطقة، إلا أنهما غير قادرتين على إنشاء نظام إقليمي جديد ومن ثم الحفاظ عليه، فهما لا تمتلكان القدرة أو التصميم على ذلك. بالاضافة إلى أن نواياهما محكوم عليها بالفشل لأنها تهدف إلى إقامة نظام إقليمي دون الاهتمام بالحقائق الإقليمية.
فهم على سبيل المثال، حولوا الربيع العربي إلى شتاء عربي من خلال الإطاحة بحكومة "محمد مرسي" المنتخبة ديمقراطياً في مصر. وهم مسؤولون عن الأزمة الإنسانية في اليمن وعن تفكيك ليبيا. ومؤخراً، ينشدون حل القضية الفلسطينية دون أي اعتبار للشعب الفلسطيني بالاضافة إلى رغبتهم في عزل إيران عن طريق دعم إسرائيل.
من ناحية أخرى، بدأت الولايات المتحدة، التي تدعم أكثر الدول الإقليمية استبداديةً، وهي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تفقد هيمنتها على دول الشرق الأوسط الأخرى. في الوقت الذي يركز فيه العديد من المراقبين على روسيا، ستبدأ الصين في تحدي الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط بمؤسساتها المالية والاقتصادية والسياسية العملاقة. وبعبارة أخرى، فإنه إلى جانب روسيا، ستتدخل الصين أيضا في شؤون الشرق الأوسط. ومع زيادة السيطرة الصينية والروسية على الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى، سيكون من الصعب على الغرب الحفاظ على سيطرته على السياسة الإقليمية.
في نهاية المطاف، سيكون إنشاء نظام إقليمي في الشرق الأوسط أصعب من أي وقت مضى. ففي حين لا تملك القوى الإقليمية القدرة على القيام بذلك ، يمكن قول الشيء ذاته بالنسبة للولايات المتحدة أيضًا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكلفة السيطرة على المنطقة ستكون عالية جدًا وأن الإدارة الأمريكية مترددة في القيام بذلك.
حتى آخر هجومين ضد القوات الأمريكية يعطيان إشارة صغيرة إلى تصاعد القوى المناهضة للولايات المتحدة. من المهم أن نفهم أنه إلى جانب القوى التقليدية المعادية للولايات المتحدة في المنطقة مثل إيران ووكلائها، بدأت جهات فاعلة جديدة مثل تركيا تبحث عن سياسات خارجية بديلة، لأن الولايات المتحدة تواصل إصرارها على إبعاد حلفائها التقليديين والعمل ضد مصالحهم.