بعد 12 عاماً من الحرب، تبدو سوريا بلداً مدمراً حقاً، فقد انتهت التجارة وانهارت البنية التحتية وصار أكثر من ثلثي أراضي البلاد خارجاً عن سيطرة نظام بشار الأسد.
بل على العكس من ذلك أصبحت السيطرة في العديد من المناطق بأيدي المنظمات الإرهابية من واي بي جي/بي كي كي إلى داعش. كما يقوم آلاف الجنود والعملاء الأجانب بعمليات على الأراضي السورية. علاوة على ذلك، ملايين المدنيين السوريين أصبحوا لاجئين في البلدان المجاورة والمدن الأوروبية التي وصلوا إليها.
ولا بد من العمل قبل فوات الأوان على إطفاء هذه "النيران" الآخذة في التصاعد من سوريا والتي لا تسمم المنطقة فقط بل العالم كله بدخانها. وفي الآونة الأخيرة، ظهر بصيص أمل جديد في هذا الصدد.
وكان اجتماع وزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا في موسكو خطوة مهمة للغاية. وجاء دور وزراء الخارجية، حيث سيجتمع وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو، الذي سيلتقي مع نظيره الأمريكي أنطوني بلينكن في واشنطن يومي 16 و 17 يناير /كانون الثاني، مع نظيريه السوري والروسي، فيصل المقداد وسيرغي لافروف في موسكو في الأسابيع المقبلة. ومن المحتمل أيضاً أن يكون هناك طرف رابع في الاجتماع مثل الإمارات العربية المتحدة، التي عززت علاقاتها مع دمشق. وما الغرض من كل هذه الحركة الدبلوماسية سوى وضع الأساس لاجتماع القادة.
وفي هذه المرحلة، من الضروري أن يقوم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي لم يجر أي حوار مع بشار الأسد لفترة طويلة، بتقييم العملية بهدوء وفقاً للمعطيات الناشئة. وقد أوضح أردوغان أنه مصمم على تنظيف قائمة الأزمات والعلاقات المتوترة من خلال عملية التطبيع مع مصر والإمارات.
بوتين يثق بأردوغان:
عزز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثقته في أردوغان الذي ساعده على اتخاذ خطوات مرنة ومريحة في الحرب بين أوكرانيا وروسيا. ويدرك الاتحاد الأوروبي أيضاً أن أردوغان سيكون مؤثراً في الأزمة السورية بسبب موقعه الفريد في حرب أوكرانيا ومساهمته في السلام بجهود الوساطة. كما أن تركيا ليس لديها أي تحيز ضد المشاريع التي من شأنها وقف تدفق اللاجئين الذي تسبب بمشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية في العواصم الغربية.
كذلك يدرك النظام السوري أنه بفضل تركيا فقط يمكنه التخلص من واي بي جي/بي كي كي ووضع شمال وشمال غرب سوريا تحت سيطرة النظام. ويعرف النظام أيضاً أنه حتى لو غادر الآخرون، فإن ميليشيات واي بي كي التي تسيطر عليها الولايات المتحدة ستستمر في التغلغل داخل البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الدعم الأمريكي لتنظيم بي كي كي عاملاً استفزازياً يدفع أنقرة للخوف من "إنشاء ممر واي بي جي/بي كي كي حتى البحر المتوسط" كما يدفعها للخوف من التدخلات العسكرية لإنشاء منطقة آمنة ضدها. ويدرك الأسد جيداً أن عنصر التوتر هذا، الذي لا يفيده، يضر بعلاقاته مع تركيا التي تستضيف 4 ملايين مواطن، ويهدد وحدة أراضيها.
في غضون ذلك، قد تراجع واشنطن موقفها لأسباب معينة رغم أنها صرحت مراراً بأن لدى الدول وجهة نظر سلبية تجاه أي عملية حوار مع دمشق.
وعلى سبيل المثال، قد يؤدي تطبيع تركيا مع دمشق إلى تقليل نفوذ إيران في سوريا بينما يوازن نفوذ روسيا. علاوة على ذلك، قد تدفع تركيا دمشق لتغيير موقفها من دورها في عملية التطبيع مع المعارضة وإعادة البناء.
وتجعلنا كل العناصر السابقة نأمل أن تتمكن تركيا، التي تنظم دبلوماسية فعالة على أساس المصالح الإقليمية المتداخلة مع إسرائيل، من فتح قناة لإعادة التفاوض مع الولايات المتحدة.