توفي الأسبوع الماضي وزير الدفاع الأمريكي السابق "دونالد رامسفيلد" عن عمر يناهز 88 عاماً. وكان الرجل في العقود العديدة الماضية أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل فيما يتعلق بصناعة الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وبالرغم من تاريخه المهني الطويل الحافل بالكثير من الأعمال، إلا أن ما يتذكره الكثير من الناس بعد وفاته هو قراراته وأفعاله قبل وأثناء حرب العراق خصوصاً أنه خلال الاستعداد للحرب لم يكن جزءاً من التنافس الرئيسي بين الوكالات مع العديد من المؤسسات الأمريكية فحسب ولكنه تحول لأحد أهم الفاعلين في هذه الحملة.
لعب "رامسفيلد" دوراً في إقناع العديد من الأمريكيين ليس فقط بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل بل وأنه يساعد أيضاً تنظيم القاعدة.
وعندما أنكرت الحكومة العراقية هذه المزاعم قال جملته الشهيرة "وكان لينكولن قصيراً". كما توقع أن تكون الحرب أقل من 6 أشهر، وهو ما تبين أنه خطأ فادح.
واتخذ "رامسفيلد" في أعقاب الحرب في أفغانستان العديد من الخطوات التي أدت إلى التعذيب والمعاملة اللاإنسانية للمعتقلين. وتمت تحت إشرافه ومراقبته حالات كثيرة من التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك في غوانتانامو وسجن أبو غريب.
أمريكا في المستنقع:
جاءت حرب العراق كثاني أهم مستنقع تدخل فيه الولايات المتحدة بعد حرب فيتنام. وبعد عقد من حرب الخليج التي اعتُقد خطأً أنها أنهت وصمة عار فيتنام بالنسبة للولايات المتحدة، وجدت القوة العظمى نفسها تعاني من وصمة أخرى راحت تشكل تحدياً خطيراً لواضعي السياسات منذ ذلك الحين.
ولا يزال شبح الحرب العراقية يطارد صناع السياسة الخارجية للولايات المتحدة حتى يومنا هذا. إذ لم تتسبب الحرب بإلحاق عار جديد بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة فحسب، بل وأودت بحياة مئات الآلاف من العراقيين الذين لقوا حتفهم أثناء الصراع في البلاد.
وبعد القرارات الخاطئة التي اتخذها "رامسفيلد" أثناء إدارته للحرب، سقط العراق في حالة من الفوضى والحرب الأهلية إضافةً لفقد آلاف الجنود الأمريكيين أرواحهم أيضاً.
وخلال مقابلته مع المخرج الأمريكي "إيرول موريس" في الفيلم الوثائقي "مجهول معروف" وصف "رامسفيلد" نفسه بأنه صاحب حسابات دقيقة لا تخطئ عندما يتعلق الأمر بالعراق، إلا أنه لم يكن كذلك على الإطلاق بل أكدت الطريقة التي تعامل بها مع الأزمة والفوضى الناشئة افتقاره إلى تلك الصفات.
وعندما سُئل عن أعمال النهب والاضطرابات العامة المتزايدة في البلاد، كان رده على غرار "مثل هذه الأشياء تحدث". وحول الفوضى في البلاد، قال "الحرية غير مرتبة".
ولسوء الحظ ، استمرت هذه "الأشياء" في جعل العراق جحيماً حقيقياً لملايين العراقيين لسنوات عديدة تالية وأصبح من الصعب حساب التكلفة الإنسانية للحرب وتحول "رامسفيلد" في نظر الكثيرين إلى شخصية مشابهة لـ"روبرت مكنمارا" أحد مهندسي حرب فيتنام.
ومع ذلك، لم يتقبل "رامسفيلد" الاعتراف بأية أخطاء تتعلق بتصرفاته كوزير للدفاع بل ظل متحديا للانتقادات المتعلقة بفترة ولايته.
وفي مقابلته الآنفة الذكر مع المخرج "موريس" لم يتردد أبداً في الدفاع عن تصريحاته ومذكراته خلال فترة توليه منصب وزير الدفاع.
وفي تعليقه على الفوضى التي حلت بالعراق بعد غزوه قال في أحد مقالاته الشهيرة إن "الأحرار أحرار في ارتكاب الأخطاء" وبذلك برر لنفسه أنه كان خلال فترة ولايته حراً في ارتكاب أخطاء فادحة من شأنها أن تغير حياة ملايين العراقيين وتحول بلادهم إلى ساحة حرب أهلية وموطناً للإرهاب.
كما أدت أخطاؤه أيضاً إلى تحول خطير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة والانطباع العام حول الحكومة الأمريكية وسياستها الخارجية.
واليوم تخطط حكومة واشنطن لسحب جميع قواتها من أفغانستان، لكن قرارات "رامسفيلد" وأفعاله ستستمر في مطاردة سياسة الأمن الخارجي والوطني للولايات المتحدة وحياة الملايين من الأبرياء.