يصادف يوم غد الأربعاء الذكرى الرابعة لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا يوم 15 تموز عام 2016، حيث أحبط الشعب التركي قبل أربع سنوات محاولة الإطاحة بحكومة البلاد المنتخبة ديمقراطياً وأظهر التزامه بالديمقراطية من خلال تنظيم تجمعات جماهيرية استمرت لأكثر من 30 يوماً بعد المحاولة، لمنع وقوع محاولة أخرى من هذا القبيل.
ولم تغير الأحداث التي وقعت في تلك الليلة السياسة الداخلية التركية فحسب، بل امتدت التغييرات لتشمل سياسة البلاد الخارجية أيضاً. وكان لها تأثير كبير على العلاقات التركية الأمريكية، بعضها كان فورياً بسبب رد فعل الولايات المتحدة على محاولة الانقلاب في تلك الليلة. وبعضها جاء كالهزات الارتدادية التي تعقب الزلازل في العلاقات الثنائية وذلك عندما فشلت الولايات المتحدة في فهم إحباط الحكومة التركية والجمهور التركي لهذه المحاولة المشؤومة. وإلى الآن لم تتعافَ العلاقات الأمريكية التركية بعد، بالرغم من مرور أربع سنوات على محاولة الانقلاب.
لا تزال أحداث ليلة 15 تموز حيةً في ذاكرة الشعب التركي ابتداء من خيانة ضباط الجيش المرتبطين بجماعة غولن الإرهابية، وصولاً إلى فشل حلفاء تركيا في الرد على هذا العمل الشنيع.
لقد فشل مسؤولو الإدارة الأمريكية بعد انتشار أخبار محاولة الانقلاب في تركيا، في تقديم رد قوي ضد الانقلابيين. وتمنى الوزير الأمريكي جون كيري لتركيا في بيانه الأول بعد المحاولة الفاشلة "السلام والاستقرار والاستمرارية في السياسة الخارجية".
بعد ذلك، جاءت البيانات الأكثر غرابة من البيت الأبيض، إذا صح تسميتها "بيانات" إذ كانت مجرد قراءات تذكر أن الرئيس باراك أوباما والوزير كيري تحدثا عبر الهاتف عن التطورات في تركيا. ولم تستخدم هذه القراءة أثناء التعبير عن دعم الولايات المتحدة للديمقراطية التركية، كلمة "انقلاب". كما لم تذكر اسم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان المستهدف الرئيسي لمخططي الانقلاب.
ولم تكن طريقة تناول الأمر أو التعبير عنه هي المشكلة الوحيدة في موقف الولايات المتحدة تجاه تركيا بعد محاولة الانقلاب. فبعد أكثر من شهر على مرور المحاولة الفاشلة، زار نائب الرئيس جو بايدن تركيا واعتذر في تعليقاته عن عدم زيارة البلاد في وقت أبكر. لكن هذا البيان لم يغير مسار العلاقات الثنائية.
وبالرغم من أن الأمر بالنسبة لتركيا يمثل تهديداً للأمن القومي قام بتنفيذه انقلابيون أعضاء في منظمة إرهابية، إلا أن الولايات المتحدة لم تتعاطف مع التهديد الذي واجهته تركيا في هذا المنعطف الحرج. وأظهرت الاستطلاعات أن عدم التعاطف والدعم هذا جعل جزءاً كبيراً من المجتمع التركي يحمّل الولايات المتحدة المسؤولية عن محاولة الانقلاب أيضاً.
محاولة انقلاب 15 تموز الفاشلة لم تكن المرة الأولى التي يشكك فيها الشعب التركي في موقف الولايات المتحدة تجاه مخاوف الأمن القومي التركي. فالتشكيك بمصداقية الولايات المتحدة بدأ مع الأزمة السورية وتم ترسيخه من خلال مساعدتها لميليشيا ي ب ك/بي كا كا الإرهابية. واعتبر معظم الأتراك أن الولايات المتحدة لا تتعامل بجدية مع مخاوف الأمن القومي التركي. وجاءت مواقف الإدارة الأمريكية من الانقلاب الفاشل وما بعده لتعزز هذا التصور وتعمقه.
وخلال زيارته، قال بايدن للصحافة إن "ي ب ك" الإرهابية ستغادر منبج السورية وتعود إلى شرق الفرات. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تعطي فيها واشنطن هذا التأكيد لأنقرة. لكنها لم تفِ بالتزامها. وعندما أطلقت تركيا عملية درع الفرات، بعد وقت قصير من محاولة الانقلاب، قدمت الولايات المتحدة الدعم في البداية فقط ثم سحبت تأييدها بعد فترة وجيزة. واستمرت بالتأكيد على "مخاوفها" بدل تقديم الدعم لحليفتها في الناتو، أثناء عملية تركيا ضد الجماعات الإرهابية على طول حدودها الجنوبية.
وتصرف الكثيرون من أعضاء الإدارة الأمريكية بطريقة عدائية تجاه العملية التركية ضد ي ب ك/بي كا كا خاصة في عام 2019 حين أصدر الكونغرس قرارات بهذا الشأن بينما نفذت الإدارة عقوبات ضد تركيا. كما تم تجاهل المطالب التركية بإعادة المسؤولين عن محاولة الانقلاب المقيمين في الولايات المتحدة وتسليمهم للعدالة.
واليوم وبعد مرور أربع سنوات على الانقلاب الفاشل، لم تحصل تركيا على أي دعم من الولايات المتحدة ضد ما يهدد أمنها القومي. ولم تفشل الولايات المتحدة في فهم وقع صدمة المحاولة الفاشلة على الشعب التركي فحسب، بل فشلت في فهم الآثار المحتملة لعدم حساسيتها تجاه مخاوف الأمن القومي التركي على العلاقات الثنائية أيضاً. كما أنها لم تتخذ منذ ذلك الحين أية خطوات ذات معنى لإصلاح هذا الضرر. وسيحيي الأتراك بعد مرور أربع سنوات ذكرى هذه الليلة المصيرية غداً الأربعاء، وهم يستعرضون مرة أخرى ما فعله أصدقاء تركيا وحلفاؤها منذ عام 2016.