تابعت قوات النظام السوري على مدى الأسابيع القليلة الماضية، غاراتها الجوية على إدلب شمال غرب سوريا، وعملت على تكثيفها بشكل تدريجي. وبدا المشهد على أرض الواقع، تكراراً لنفس الغارات البشعة التي شاهدها المجتمع الدولي خلال هجمات النظام السابقة على المدنيين. وقد شهد الجميع قبل عدة سنوات، صوراً مماثلة للمدنيين القتلى والجرحى في شوارع حلب. فاستراتيجية النظام لم تتغير منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، فهو يسعى لتوليد الخوف والرعب من خلال الغارات الجوية وتهجير السكان من مناطقهم.
وقد أدى صمت المجتمع الدولي وتغافله، خاصة الحكومات الغربية، إلى استمرار جرائم النظام وفظائعه وانتهاكه جميع المعايير الإنسانية الدولية. وعلاوة على جميع الانتهاكات السابقة، قام النظام مؤخراً، بشن هجماته الجوية في انتهاك سافر لاتفاق أستانا. بالاضافة إلى ذلك، حاول استفزاز القوات التركية من خلال استهداف المناطق المحيطة بنقاط المراقبة التركية في إدلب. ويمكن أن يؤدي استمرار الوضع في إدلب على هذا النحو، إلى تحولات مختلفة في المنطقة وفي العلاقات الثنائية.
أولاً، على الصعيد الإنساني، قد تؤدي الغارات الجوية على إدلب إلى تدفق هائل للاجئين، فضلاً عن زيادة حادة في أعداد النازحين داخلياً. ويمكن أن يتدهور وضع النازحين في شمال سوريا أكثر بسبب النقص الحاد في الغذاء وانتشار الأمراض والظروف المعيشية المتدنية للغاية.
وبالمثل، فإن تدفق اللاجئين إلى تركيا قد يزيد من أعباء البلاد التي تستضيف بالفعل أكثر من 3.5 مليون لاجئ. بالاضافة إلى محاولات بعض هؤلاء اللاجئين الفرار إلى الدول الأوروبية مما ينذر بأزمة إنسانية خطيرة جراء مجازفتهم بالهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط وبحر إيجة. وقد تندلع مجدداً أزمة لجوء كبيرة في أوروبا، على نمط الأزمة التي شهدنا في السابق حيث واجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في التعامل معها.
ثانياً، من الممكن أن تؤدي هجمات النظام السوري إلى عواقب دبلوماسية حاسمة على المبادرات المتعددة الأطراف المتعلقة بسوريا. ومن ناحية أخرى، فإن الاستيلاء على إدلب وإخلائها من سكانها، سيجعل الحل السياسي في سوريا صعباً للغاية.
لذلك يتعين على الدول التي تعتبر اتفاقية جنيف ركناً أساسياً في الحل السياسي، أن تنظر لمعاني وأهمية هذه الاتفاقية، في حال وقوع إدلب تحت سيطرة النظام.
بالإضافة إلى النتائج المدمرة التي ستلحق باتفاقية جنيف، قد تؤدي عمليات النظام السوري العسكرية في إدلب إلى نشوء أزمة بين أطراف اتفاقية أستانا. لأن هجمات النظام تعتبر انتهاكاً واضحاً لبنود الاتفاق الثلاثي، وهي تعرض الاتفاقيات المستقبلية بين هذه الدول للخطر. كذلك، فإن رد فعل الشعب التركي على الأعمال الوحشية في إدلب يمكن أن يكون بالغ الأهمية لاستمرار التعاون بين تركيا وهذه الدول.
إن تحذيرات الحكومة التركية من العواقب المحتملة لفظائع النظام السوري يجب أن تؤخذ على محمل الجد من قبل جميع الأطراف الرئيسية الفاعلة في السياسة الدولية.
وإذا لم يتم منع هجمات النظام السوري في إدلب حالاً، فإنها قد تتسبب في حدوث ثلاث أزمات مختلفة في آن معاً. فالأزمة الإنسانية الحالية ستفضي إلى أزمة دبلوماسية محتومة من شأنها أن تجعل الحل السياسي صعباً للغاية. كما ستؤدي إلى أزمات أمنية تهدد أمن تركيا الحدودي وكذلك تهدد جميع البلدان الأخرى في المنطقة.