الأزمة التي بدأت الأسبوع الماضي مع قطع بعض دول الخليج علاقاتها الدبلوماسية مع قطر لم تتوقف أو تهدأ حتى الآن، على الرغم من دعوات القوى العظمى ومحاولات دول مثل الكويت وتركيا لرأب الصدع، فإن دول الخليج التي شنت الحصار على قطر لم تغير سياساتها حتى اليوم. وقد أقنعت هذه الحالة بعض المراقبين في السياسة الإقليمية بأن الأزمة قد تتصاعد إلى مواجهة كبرى في المنطقة. وسيكون من الصعب السيطرة على تداعيات هذا التصعيد على السياسات الإقليمية فضلا عن الأمن والاقتصاد الدوليين.
ومن ثم، وبغض النظر عن السبب وراء هذه الأزمة، من المهم أن نفهم أنها تحدث في منعطف حاسم في تاريخ الشرق الأوسط. وبغض النظر عن تصعيدها، فإن الوقت والجهد والموارد التي ستنفق لحلها في الأيام والأسابيع المقبلة ستكون بمثابة إلهاء عن المشاكل الملحة جدا في المنطقة ككل. وبذلك تسنح الفرصة لنظام بشار الأسد لكي ينسى نفسه تحت سحابة الأزمة في الخليج. علاوة على أنه لن يخرج منها أي فائز، بل الكثير من الخاسرين.
وعلى الرغم من أن المراقبين في المنطقة كانوا على دراية بالمنافسة والتوتر بين قطر ودول الخليج الأخرى، فإن الكثيرين لم يتوقعوا تصعيدا مفاجئا. على وجه الخصوص، في الفترة التي بدأت فيها الولايات المتحدة عملية الرقة في سوريا، في وقت يجرى فيه أيضا هجوم كبير في الموصل، والأهم من ذلك، أن هذا التصعيد القوي، حدث في وقت كثرت فيه الشائعات حول زيادة اهتمام الولايات المتحدة بإيران.
ومن الصعب أن نفهم في هذه المرحلة سبب اختيار هذه البلدان لهذا التوقيت تحديدا. فيما لم تتضح بعد إجابات تساؤلات كثيرة وتحليلات أكثر لنوايا هذه البلدان. وبطبيعة الحال، كان هذا قرارا مؤسفا إلى حد ما بالنظر إلى آليات مختلفة ووجود حروب أهلية متعددة وصراعات في المنطقة. هذه الأزمة، إن لم يتم احتواؤها في فترة زمنية قصيرة جدا، فستؤدي إلى مشاكل خطيرة حول مستقبل العالم العربي بشكل عام ومجلس التعاون الخليجي بشكل خاص.
وبينما تحاول هذه الدول "معاقبة" قطر على علاقاتها المزعومة مع إيران، سيؤدي ذلك إلى نفور قطر تماما ما يجعلها مضطرة إلى "تحويل محورها". ومن ثم، يمكن أن يؤدي إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية لمختلف البلدان التي تراقب الأزمة بشكل حذر. وعلاوة عليه، قد تؤدي إلى صدع طويل الأجل في العالم العربي قد يمكن التلاعب به واستخدامه من قبل أطراف أخرى.
وعلى الرغم من أن المحاولات الدبلوماسية قد تحل الصراع على المستوى السياسي، فسيكون من الصعب على المستوى العام إصلاح الأضرار إذا استمرت هذه البلدان في حصار قطر، خاصة خلال شهر رمضان المبارك.
لقد ساهمت الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا للمملكة العربية السعودية في دعم النظريات التي حللت دلالة توقيت قرار المقاطعة. في الواقع، وفي حين تساءل البعض عما إذا كانت هناك صلة مباشرة بين زيارة الرئيس ترامب للمملكة العربية السعودية وهذا التصعيد المفاجئ، فإن تغريدات ترامب في وقت لاحق حول أزمة قطر أقنعت الكثيرين بوجود تلك الصلة. بعد فترة وجيزة، أدت بيانات متعددة صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية، فيما يتعلق بالأزمة، والفرق في لهجة ومضمون تلك التصريحات المختلفة عن تغريدات الرئيس إلى ارتباك كبير حول الموقف الأمريكي من الأزمة.
وكما ذكرنا في مقال سابق، هذا الارتباك يدمر الدور القيادي الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالم. وهكذا، أثار هذا التناقض مشكلة خطيرة في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية. إن مثل هذه الأزمة الكبرى ذات العقوبات الكبيرة جدا قد تشتت الانتباه أيضا عن الحرب ضد داعش، التي تعتبرها الولايات المتحدة تهديدا يجب تدميره فورا. وقد أثيرت هذه المخاوف من جهات متعددة في المؤسسة الأمنية الأمريكية منذ بداية الأزمة. ومع ذلك، فقد كان لها تأثير محدود حتى الآن على سلوك دول الخليج.
ومن المهم أن نتذكر أن هذه الأزمة في مثل هذا الوقت الحرج قد تجلب الكثير من العواقب غير المقصودة على المنطقة وتؤثر على أولويات الأمن الدولي. وفي نهاية المطاف ستكون أزمة ليس فيها فائزون واضحون. ومع استمرارها وتمددها، سيزداد هذا الضرر أيضا.