يزور مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون تركيا اليوم مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال "جوزيف دانفورد"، ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا "جيمس جيفري". وكان "بولتون" قد أعلن في نهاية الأسبوع الماضي في تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر، عن أهداف هذه الزيارة على أنها "لمناقشة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وكيفية العمل المشترك مع الحلفاء والشركاء لمنع عودة داعش والوقوف مع أولئك الذين قاتلوا ضدّ داعش، ومواجهة السلوك الإيراني الخبيث في المنطقة".
وبعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا والنقاشات الساخنة التي دارت في أعقابه، حول إستراتيجية الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالشرق الأوسط بعد الانسحاب، لهذه الزيارة أهمية خاصة نظراً لطبيعة العلاقات التركية مع الولايات المتحدة، كحلفاء في المنطقة. وبالنظر إلى الصعود والهبوط في العلاقات بين البلدين في السنوات القليلة الماضية، يمكن لهذه الزيارة أن تقدم الكثير من التوضيح لمستقبل العلاقات الثنائية.
قبل أشهر، قام مستشار الأمن القومي آنذاك "ماكماستر" بزيارة مماثلة لأنقرة، وقد أعطت أثراً مماثلاً في توطيد العلاقات من خلال المناقشات التي دارت بين الجانبين حول قوات حماية الحدود (التي كانت واشنطن تنوي تشكيلها) والعملية التركية في مدينة عفرين.
ويمكن استشراف عدة نقاط من التأثيرات الإيجابية المحتملة للزيارة.
أولاً، وكما ذكرنا في العديد من المرات، كانت إحدى أهم مشكلات السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة هي الافتقار إلى الوضوح. وفي الشهر الماضي تحديداً، رأينا هذا الوضع يتكرر مرة أخرى فيما يتعلق بقرار الانسحاب من سوريا. حيث طرحت أسئلة كثيرة حول إستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا وأولوياتها السياسية.
فقرار ترامب سحب القوات الأمريكية، لم يرفق بجدول زمني محدد. وبعد لقاء ترامب مع الصحفيين، أكدت التقارير المتعلقة بزيارة وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" إلى الشرق الأوسط أن مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية أوضحوا أنه لن يكون هناك جدول زمني للانسحاب.
وعلاوة على ذلك، قبل بضعة أسابيع، صرح بعض المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى، بمن فيهم "جيمس جيفري"، بأن الولايات المتحدة لديها ثلاثة أهداف في سوريا، وهي هزيمة "داعش"، ووقف التوسع الإقليمي لإيران في سوريا والعملية السياسية لحل النزاعات.
مع ذلك، نرى أن أياً من هذه السياسات المعلنة لم يبق على قيد الحياة بعد قرار ترامب. ففي الأسبوع الماضي مثلاً، أدلى ترامب ببيان حول أهداف الولايات المتحدة في سوريا ووصف سوريا بأنها "الموت والرمال". وذكر أيضا أن إيران "تستطيع أن تفعل ما تشاء" في سوريا. يُعتقد أن هذا يشكل خروجًا كبيرًا عن الموقف السابق للإدارة الأمريكية بشأن إيران.
وبالرغم من تصريحات ترامب تلك، وبعد أيام قليلة من هذا البيان، أدلى "بومبيو" بما يتناقض مع أقوال الرئيس الأمريكي حول إيران عندما قال "ستستمر الحملة ضد إيران. وسنقوم بكل هذه الأشياء. سنواصل تحقيق تلك الأهداف. سنفعلها ببساطة في ذات الوقت الذي تغادر فيه القوات الأمريكية سوريا".
وهذا بحد ذاته يتفق إلى حد كبير مع تصريحات بولتون قبل الإعلان عن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب عندما قال: "لن نغادر طالما أن القوات الإيرانية خارج الحدود الإيرانية والتي تشمل وكلاء ومليشيات إيرانية".
من هنا نجد أنه قبل الاجتماع مع نظرائهم في الشرق الأوسط، يحتاج الفريق الأمريكي إلى توضيح هذه الأهداف. فعواصم البلدان في المنطقة قد ترغب في معرفة حقيقة وجهات نظر ترامب، وإذا ما كان هذا هو القرار النهائي بالفعل للولايات المتحدة في سوريا.
ثانياً، فيما يتعلق بتركيا خصوصاً، فالثقة المتبادلة وصلت إلى أدنى مستوى لها بين الدولتين، وأحد الأسباب الرئيسية لهذا الوضع هو اختلاف السياسات في سوريا. إن الفشل في متابعة الالتزامات في الحرب الأهلية السورية والوعود الأمريكية التي لم يتم الوفاء بها قد ولّد مشكلة كبيرة في العلاقات الثنائية.
كذلك، فإن قرارات الولايات المتحدة في سوريا، بما في ذلك برنامج التدريب والتسليح المشين وتصريحات الخطوط الحمراء، كلها لم تؤد إلى نتائج مؤثرة، مما خلق فجوة واضحة في مصداقية الولايات المتحدة.
في المراحل التالية من الصراع السوري، ونظراً للمخاطر الأمنية الحالية التي تواجهها تركيا بسبب وجود مجموعات إرهابية، وبالنظر إلى الوعود التي لم يتم الوفاء بها، فإن الحكومة التركية ستركز على أفعال الولايات المتحدة بدلاً من أقوالها وتصريحاتها. ووسط مراحل حرجة في الصراع السوري والحرب على الإرهاب والعلاقات الثنائية التركية الأمريكية، ستقوم تركيا بتقييم الإجراءات الفعلية لواشنطن ومتابعتها عن كثب. وعلى الفريق الأمريكي الذي يزور أنقرة اليوم أن يدرك أن تركيا تنتظر أفعالاً حقيقية من الولايات المتحدة قبل الالتزام بأي ترتيب في مستقبل سوريا.
ثالثًا، بالنظر إلى الرأي العام في تركيا وتأثيره على العلاقات التركية-الأمريكية، ستكون الأشهر القليلة القادمة في غاية الأهمية لأن علاقة الولايات المتحدة مع تنظيم "ي ب ك" الإرهابي قد أثارت غضب الشعب التركي. وعلى وجه الخصوص، تسببت العلاقات الجيدة بين أعضاء "ي ب ك" وبعض المسؤولين الأمريكيين في رد فعل كبير تجاه الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية. وفي حين كان البعض يتوقع نهاية هذه الكيمياء المتنافرة وبدء مرحلة بناء الثقة بين الدولتين، جاء تصريح "بومبيو" عن تركيا ليحدث ضربة قوية أخرى. إن استمرار نفس النوع من التصريحات سيجعل من الصعب على تركيا والولايات المتحدة إعادة ضبط علاقاتهما وإيجاد أرضية مشتركة في تنسيق جهود تحقيق الاستقرار في سوريا.
وعلى عكس بعض الدول الأخرى، فإن الرأي العام التركي يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل السياسة الخارجية للبلاد، ويجب أن يؤخذ هذا الدور بعين الاعتبار من قبل الفريق الأمريكي الذي يزور تركيا.