فتحت تركيا أبوابها أمام اللاجئين واستضافت أكبر عدد منهم على مستوى دول العالم قاطبة، وقدمت لهم كل المساعدات الإنسانية بما يتناسب مع ناتجها المحلي الإجمالي. وقد بلغ عدد اللاجئين المسجلين رسمياً في البلاد حالياً 3.7 مليون لاجئ، لكن هذا الرقم يصل إلى 5 ملايين لاجئ إذا ما تم تضمين اللاجئين غير المسجلين.
وقد فرَّ مؤخراً مليون لاجئ من إدلب، بسبب قصف هذه المدينة بشكل عشوائي من روسيا ونظام بشار الأسد، وهم ينتظرون على الحدود التركية حيث يقوم الهلال الأحمر التركي والمنظمات غير الحكومية التركية بتلبية احتياجاتهم. وقد تعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحدها بتقديم 25 مليون يورو كمساعدات للاجئين المقيمين في منازل من الطوب أنشأتها الحكومة التركية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، ولكن حتى هذا الوعد لم يتحقق.
وبعد كل ذلك، ماذا نفذ الاتحاد الأوروبي من وعوده التي قطعها وتعهد بها للاجئين في تركيا؟ وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء، تم توقيع اتفاقية إعادة القبول مع الاتحاد الأوروبي في عام 2016 عندما كان أحمد داود أوغلو رئيساً للوزراء. ووفقا لتلك الاتفاقية، يتعين على دول الاتحاد الأوروبي أن تقبل بحسب معاييرها الخاصة عدداً مماثلاً للاجئين المسجلين في تركيا. لكن الاتحاد الأوروبي المكون من 28 دولة، استقبل خلال أربع سنوات 25.000 لاجئ فقط.
بالإضافة إلى ذلك، كان من المفترض أن يقدم الاتحاد الأوروبي 6 مليارات يورو كمساعدات بحلول عام 2018. لكنه دفع أقل من نصف هذا المبلغ فقط. كما نصت الاتفاقية على أن تمنح إعفاءات من تأشيرة السفر إلى دول الاتحاد، للمواطنين الأتراك اعتباراً من يونيو 2016، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث منذ أربع سنوات. وكذلك وعدت الدول الأوروبية بتحديث شروط اتفاقية الاتحاد الجمركي. لكنهم بدلاً من تحديثها، قاموا بحظر الاتفاقية. كما تعهد الاتحاد بفتح فصول جديدة في عملية انضمام تركيا إليه لكنه لم يفتح حتى فصلاً واحداً.
ومع كل ذلك وفي الوقت الذي كانت فيه تركيا تؤوي وتعتني بستة ملايين لاجئ، خمسة ملايين في الداخل ومليوناً على حدودها، فضل الاتحاد الأوروبي أن يعمي نظره ويتجاهل هذه الحقيقة. في حين أن إدلب التي تتعرض للقصف المشترك من روسيا ونظام الأسد، وتوشك أن تُخرج 3 ملايين لاجئ آخر، لم تأت دول أوروبا على ذكرها مطلقاً.
وعندما خسرت تركيا 36 جندياً من جنودها في قصف للنظام الأسد في إحدى الليالي، اتخذ الرئيس رجب طيب أردوغان الخطوة التي كانت الأمة التركية تنتظرها طويلاً، قائلاً: "هذه القضية لا تخصني وحدي فقط"، وفتح البوابات الحدودية إلى أوروبا. وبذلك حوّل قضية إدلب إلى قضية دولية. وقامت الأمم المتحدة، التي لم تقل كلمة واحدة حين تجمّع مليون لاجئ على الحدود التركية، بعقد اجتماع حول إدلب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تلك الليلة بدعوة من الولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا.
ووفقاً لبيانات الداخلية التركية، دخل حوالي 130.000 لاجئ عبر الحدود اليونانية، لأن الحدود أطول من البوابات التي تقوم الشرطة اليونانية بإغلاقها، ويسعى الأشخاص اليائسون لعبورها بأي ثمن.
ولسوء الحظ، أن القارة الأوروبية التي تتمتع بقوة اقتصادية أكبر من تركيا فقدت عقلها وضميرها في مواجهة مئات الآلاف من اللاجئين. فقتلت الشرطة اليونانية حتى الآن اثنين منهم، واستخدمت الغاز المسيل للدموع على مئات آخرين وأصابت العشرات. ويقوم خفر السواحل اليوناني، في محاولة لإغراق قوارب اللاجئين، بضرب الزوارق المطاطية بالعصي ويستخدمون الأسلحة النارية ويفتحون وابل الرصاص بالقرب منهم. بينما تقوم ولاية أدرنة والمنظمات التركية غير الحكومية بتوزيع المواد الغذائية على اللاجئين العالقين على الحدود اليونانية، وتلبية احتياجاتهم الأساسية وتوفير العلاج الطبي للمصابين أو للذين يتعرضون للغاز المسيل للدموع.
في الوقت نفسه، وصل رئيس المفوضية الأوروبية إلى المكان ووعد بتقديم مزيد من قوات الشرطة، ومزيد من الأسلحة و700 مليون يورو كمساعدات مالية. لكنه لم يعلق تعليقاً واحداً حول اضطهاد اللاجئين، ولم ينبس بكلمة واحدة حول حقيقة أن اليونان علّقت طلبات اللجوء لمدة شهر، في تناقض صريح مع اتفاقية جنيف وقانون اللاجئين في الاتحاد الأوروبي.
وها هي أوروبا تثبت مرة أخرى أنها لا تتمثل ما تقول وأنها لا تستطيع أن تعطي العالم درساً في حقوق الإنسان. على الجانب الآخر، يراقب الأتراك تدني المستوى الأخلاقي لأوروبا عبر الحدود، يشاطرهم في ذلك إخوتهم اللاجئون.