مما جاء في البيان الذي نشره الإرهابي الذي قتل 50 مسلماً في مسجدين في نيوزيلندا: "إلى أن تتحرر آيا صوفيا من المآذن، فإن الرجال الأوروبيين هم رجال بالاسم فقط".
صدفة غريبة أن يعلن البرلمان الأوروبي أنه كان ضد تحويل آيا صوفيا إلى مسجد في قراره تعليق المفاوضات مع تركيا قبل يومين من الهجوم. ربما كان هذا التدخل في تحديد وضع مكان عبادة في أراضي دولة ذات سيادة، هو الأول في تاريخ البرلمان الأوروبي.
ومع ذلك، فإن هذا الشعور المتناقض الذي نشأ في أوروبا ليس غريباً بالنسبة لنا نحن الأتراك. حكم العثمانيون في ثلاث قارات لعدة قرون. وكان لديهم شكل حكم فريد من نوعه، حكم متعدد الصلات، متعدد الثقافات. على سبيل المثال، عندما غزا الإسبان شبه الجزيرة الأيبيرية، كانت الدولة العثمانية ملاذاً آمناً للمسلمين واليهود الذين تعرضوا للمذابح والتهجير القسري الذي قاده الملوك الكاثوليك فرديناند وإيزابيلا. وأسلاف جزء كبير من السكان اليهود الحاليين، هم اليهود "السفارديم" الذين هاجروا من إسبانيا. إذا كان هناك "قضية البلقان" اليوم أو إذا كانت اللغة الثانية للشعب المغاربي ليست التركية بل الفرنسية، فمرد ذلك أن الإدارة العثمانية لم تكن تجبر الناس على تغيير لغتهم ولا دينهم.
مع ذلك، فإن هذه الفروق الدقيقة ليس لها معنى بالنسبة للاوعي الأوروبي. فالإمبراطورية العثمانية، في نهاية المطاف، تمثل سيادة الإسلام، والأتراك هم الأمة التي حاربت أوروبا المسيحية، وكانوا رواد الإسلام لمدة ستة قرون.
في الواقع، كان أحد الأسماء التي كتبها الإرهابي في نيوزيلندا على بندقيته، هو الجندي الصربي الذي قتل السلطان العثماني مراد الأول. وكان أحد التواريخ 1683، عندما حاصر الجيش العثماني فيينا للمرة الثانية. في كل بلد أوروبي تقريبًا، يمكنك العثور على آثار للخوف من الأتراك باقية من العهد العثماني. على سبيل المثال، الكرواسان هو معجنات صُنعت للاحتفال بنهاية حصار الأتراك لفيينا، وتمثل هلال الإسلام.
وكمثال، من التاريخ الحديث وليس فيه حلويات كالمثال المذكور أعلاه، يجب أن نتذكر مناقشات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فأحد الشعارات الرئيسية لحملة "اترك" كان: "تركيا -التي يبلغ عدد سكانها 76 مليون- تنضم إلى الاتحاد الأوروبي. صوّت للمغادرة، واسترد السيطرة". فالخوف من أن يتدفق الأتراك إلى المملكة المتحدة، انتشر بين السياسيين البريطانيين من "بوريس جونسون"،الذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية، إلى زعيم حزب الاستقلال في المملكة المتحدة آنذاك "نايغل فاراج". حتى رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون"، أحد أهم مؤيدي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، تم الضغط عليه ليقول "سنستخدم حق النقض إذا كان هناك إمكانية لعضوية تركيا". لقد كان "رهاب تركيا" واحداً من أهم العناصر في نجاح حملة "البريكسيت". واليوم نرى ما أحدثه هذا الخوف غير العقلاني في المملكة المتحدة.
الموقف المعادي لأردوغان، الذي يتماشى مع المشاعر المعادية للأتراك، لا يظهر في نص "كريست تشيرش" الإرهابي وحده. على سبيل المثال، تذكروا غلاف مجلة "دير شبيغل" الألمانية بعد شهرين من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا التي راح ضحيتها 251 شخصًا. فظهر على الغلاف صورة لأردوغان تشبه "العراب" وهو يضع نظارة شمسية تطل على الجامع الأزرق الذي تحولت مآذنه إلى صواريخ، إلى جانب عنوان: "تركيا تفقد حريتها".
إن ربط مآذن مكان للعبادة بالصواريخ، لهو عدوانية وكراهية للمسلمين، تكفي لوحدها. علاوة على ذلك، فإن هذه الرسالة قد أرسلت بمضمون يتعلق بالمسجد الأزرق، الذي يقع بجوار آيا صوفيا، وأن أردوغان، الذي نجا من محاولة اغتيال قبل شهرين، يظهر على أنه عراب وحشي، ويبدو أنه يلخص التحيز الأوروبي ضد تركيا .
لا يمكن أن يكون هناك سبب لمثل هذه الصورة غير العادلة، بصرف النظر عن تصور الغرب لرهاب تركيا من خلال الرئيس أردوغان، لأنه زعيم عزز قوتها. ما حدث للاعب كرة القدم الألماني "مسعود أوزيل"، لمجرد أنه ظهر في صورة مع أردوغان يمكن أن يؤخذ في الاعتبار في هذا الصدد.
لهذا السبب، وبصفتي تركيةً، أنصح الإعلام الغربي، الذي يقوم اليوم بمراجعة موضوعاته المناهضة للإسلام ومراجعة ذاته، أن يقوم أيضاً بمراجعة الموقف المناهض لتركيا الذي غالباً ما يظهرونه مختبئًا وراء الموقف المعادي لأردوغان. ذلك لأن رهاب تركيا هو نوع من العنصرية محفورة بعمق في الأصول الأوروبية، وهو جزء لا يتجزأ من المشاعر المعادية للمسلمين.