لم يتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بينيت" من خلال زيارته إلى واشنطن ومحادثاته مع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن ولا مع رجال إدارته، من صنع بداية جديدة مع الإدارة الديمقراطية كما أمِل بعض الناس على جانبي المحيط الأطلسي. وتنبأ المحافظون الجدد في واشنطن والقوميون المتطرفون في القدس بأنها ستكون معادلة شبه مستحيلة تلك التي تخلق تحالفاً يسارياً في واشنطن يتصرف يميناً وائتلافا قومياً متطرفاً في القدس يتصرف يسارياً.
وجاء الاجتماع في أعقاب الفشل المتولد عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وبالرغم من أن أجندة اللقاء لم ترتبك تماماً بسبب تفجيرات كابل التي تبناها تنظيم داعش في أفغانستان، إلا أنه لم يتسبب في ضجة كبيرة كما كان مأمولاً. وتم تأجيل الاجتماع ليوم واحد لكنه جاء مخيباً لآمال الطرفين.
باختصار، لم يؤيد بايدن العمل الإسرائيلي أحادي الجانب ضد إيران ورفض اتخاذ إجراءات عسكرية ضدها في المرحلة الراهنة، وقال أن "هناك خيارات أخرى".
فماذا كان جدول أعمال بينيت الذي ذهب به إلى واشنطن؟
في الواقع، ترتبط فكرة "بينيت" التي ذهب بها إلى واشنطن بالموقف الإسرائيلي اتجاه إيران في اتخاذ إجراءات من جانب واحد ضدها، لأن إسرائيل تنظر لطهران على أنها تشكل تهديداً حقيقياً لأمنها. ووفقاً للمبدأ الإسرائيلي فإنه يحق للدولة العبرية إذا شعرت لسبب أو لآخر أنها تتعرض للتهديد، أن تتخذ إجراءات من جانب واحد ضد الطرف المتهم. ومع ذلك، لم يبد "بينيت" تصميمه على استمالة الجانب الأمريكي، ولم يفعل ذلك لأن هذا الرئيس لا يحب فكرة اتخاذ الحلفاء إجراءات من جانب واحد كلما شعروا أنهم يحتاجون إلى ذلك، و لأنه لا يرضى أن تقوم إسرائيل بابتزاز الولايات المتحدة من خلال عمل أحادي الجانب.
وربما يكون "بينيت" قد استشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل التحدث إلى بايدن عن نيته في ضرب إيران في غضون شهرين. وبالرغم من نهج التملق الذي يتبعه ماكرون تجاه بايدن، قائلاً "إن بايدن أقنع الأوروبيين أن الولايات المتحدة عادت حقاً وبشكل مؤكد ودائم، بعد غيابها خلال سنوات ترامب" وتسويق نفسه كأفضل شريك أوروبي لبايدن، حيث امتثل لطلبه بأن يكون هادئاً بعدما اقترح الفرنسي أن تترك جميع القوات الأجنبية ليبيا. وحتى أنه تبادل كلمات الود والوداد مع بايدن في اجتماعات قمة الدول السبع، إلا أنه لا يمكنه أن يخبر الرئيس الأمريكي الذي يعتقد أنه السياسي الأفضل للإشراف على شؤون الخارجية الأمريكية، ماذا يفعل أو لا يفعل تجاه هذا البلد أو ذاك!
ولكن ما الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الإسرائيلية؟
قدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية لـ"بينيت" كل النصائح التي يحتاجها عن "متى تكون حازماً ومتى تستمع فقط وتظهر فهماً عميقاً للمصالح الأمريكية وتقييماً لجدول أعمال بايدن للاجتماع". وبدوره عبّر "بينيت"، الذي لديه أيضاً جمهور يرضي غروره، بعناد عن هذه العقيدة الإسرائيلية الشائنة التي تعطي دولة ما الحق في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب عندما تشعر بالتهديد. ويجب أن يكون "بينيت" ممتناً لأنه لم يتم تجاهله كما حدث في اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي مع آخر رئيس ديمقراطي عام 2015، عندما انسحب الرئيس الأمريكي باراك أوباما من اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما راح الأخير يتحدث بعنف. وطُلب منه الإقامة في البيت الأبيض، والتحدث إلى المستشارين وتم إبلاغه برغبة أوباما "اسمحوا لي أن أعرف إذا كان هناك أي شيء جديد".
ولم يكن أول اجتماع لـ "بينيت" في البيت الأبيض مهيناً، لكن الجانب الأمريكي أوضح أن هناك قضايا تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية، مثل احتلال الأراضي الفلسطينية ومستوطنات الضفة الغربية وقضية غزة. واقترح "ألوف بن" الكاتب في صحيفة "هآرتس" أن يلتزم "بينيت" بتكتيك نتنياهو المتمثل في قضاء الوقت في التحدث بشكل مكثف عن إيران، دون ترك أي وقت للحديث عن الفلسطينيين، ولكن لم ينجح الأمر هذه المرة على ما يبدو. لذلك، لم يكن اجتماع "بينيت" وبايدن مهماً، بل كان أشبه بما قالت صحيفة "هآرتس" حول لقاء 2015 ، لم يكن هناك الكثير "لتحقيقه سوى فرصة لالتقاط الصور وإفساد إجازة نتنياهو في هاواي".
وفي الواقع، كانت التوقعات الكبيرة من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة واللوبي الأمريكي في إسرائيل مبنية على افتراضات خاطئة أهمها اعتقادهم بأن المحافظون الجدد الأمريكيون والمتطرفون القوميون الإسرائيليون يتشاركون في وجهات نظر عالمية متشابهة جداً أكبر من كراهية الأجانب والإيمان بـ "الاستثناء". وأوضح وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن خلال اجتماعه القصير مع "بينيت" أن الجانب الأمريكي يعرف جيداً أنه إذا لم يتم إقناع إيران خلال شهرين بعدم تجاوز 60% من مستويات تنقية اليورانيوم، فيمكن لإسرائيل عندها أن تضرب إيران من جانب واحد.
وبالرغم من كل المواقف التي ترددت في الاجتماع من قبل الجانبين، فإن تأجيل الاجتماع بسبب التفجيرات الانتحارية في أفغانستان أدى إلى توتر الأجواء في البداية. وكان من المقرر عقد الاجتماع مباشرة بعد بدء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان حيث أصر المسؤولون الإسرائيليون على أن "بينيت" يرى أن الرئيس مهتماً جداً بهذا الاجتماع بسبب التطورات على الجبهة النووية الإيرانية. لكن الأزمة في كابل ألقت بظلالها على الرحلة منذ بدايتها. وألغى البيت الأبيض الزيارة مساء 26 أغسطس/آب وأرسل الصحفيين الإسرائيليين إلى فنادقهم دون تحديد موعد جديد. ومع ذلك، فإن إعادة الإسرائيليين إلى ديارهم بدت أمراً فظاً شبيهاً بما فعله أوباما بنتنياهو. لذلك، عاد "بينيت" صباح الجمعة.
وبسبب انشغالها بخسارة 13 جندياً أمريكياً وإصابة 15 آخرين، لم تولي وسائل الإعلام الأمريكية اهتماماً كبيراً بالاجتماع الذي لم يبتهج المراسلين بعده بما سمعوا. وذكرت وسائل الإعلام الأمريكية لفترة وجيزة أن بايدن وفريقه كرروا مطالب الولايات المتحدة السابقة مثل تجميد البناء في الضفة الغربية والأراضي المحتلة الأخرى. ولم يبدِ بايدن أي استعداد للعب دور الوسيط في اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني ولم يقدم أي مبادرات جديدة. بل تُظهر التصريحات المقتضبة التي أدلى بها "بينيت" وفريقه أن "الروح الجديدة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية" لم تتجسد في المحادثات.
قد يتصرف "بينيت" بتهور مثلما فعل نتنياهو إذا كان لدى رئيس إيران زر يمكنه الضغط عليه في غضون 8 إلى 10 أسابيع. ولكن هل سيتراجع بايدن بشكل مغامر وغير مسؤول كما فعل الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان في عام 1981 عندما شن سلاح الجو الإسرائيلي غارة جوية مفاجئة لتدمير موقع نووي عراقي غير مكتمل بالقرب من بغداد بالعراق؟
على الأغلب أنه لن يفعل. لهذا السبب قال بايدن بوضوح إن هناك "خيارات أخرى" قبل اتخاذ أي إجراء إسرائيلي أحادي الجانب ضد إيران.