ندد مجلس الأمن الدولي بقرار "إعادة فتح فاروشا" بالرغم من أنه لا يوجد في الواقع أي نوع من إعادة فتح أقسام جديدة في الجزيرة. ففاروشا هي بالفعل جزء من جمهورية شمال قبرص التركية والمنطقة مفتوحة على مصراعيها لأصحابها الشرعيين.
وكأن 47 سنة لم تمر، وكأن كل تلك السنوات لم تشهد جرائم قتل من كلا الجانبين... وكأن الوقت الذي يمر لم يثبت بعد أن جمهورية قبرص المستقلة تحولت إلى أرض ذات سيادة ثنائية تسكنها طائفتين من البشر.
واليوم وبعد أن خضع مجلس الأمن لضغوط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بناءً على حجج ومخاوف لا معنى لها قدمتها الحكومة اليونانية والجانب القبرصي الرومي، راح يلعب مرة أخرى هذه اللعبة الخاسرة من خلال قراره المتعلق بإعادة فتح "فاروشا" التابعة لمدينة "فاماغوستا" التي أعيدت تسميتها "غازي غوزا" بعد عملية السلام التركية عام 1974. وقد أدان مجلس الأمن القرار ودعا إلى "التراجع الفوري" عن هذا الإجراء أحادي الجانب، محذراً أنه يمكن أن يثير توترات في الجزيرة المتوسطية المقسمة.
وهنا يتساءل المرء عما إذا كان المندوبون الموقرون من النيجر وتونس وسانت فنسنت وجزر غرينادين وفيتنام وإستونيا قد قرأوا أية وثيقة حول هذه القضية بخلاف العروض التقديمية القبرصية الرومية واليونانية قبل دعوة الجانب التركي إلى عدم "فتح" منطقة فاروشا للتسوية. والحقيقة أنه لا أحد يفتح أو يعيد فتح أي منطقة في قبرص لأن منطقة "فاروشا" هي بالفعل جزء من جمهورية شمال قبرص التركية وهي مفتوحة على مصراعيها لأصحابها الشرعيين.
لقد سيطرت القوات المسلحة التركية على "فاماغوستا" ووضعت حداً للمجزرة المروعة بعد العملية العسكرية التركية لإنقاذ السكان الأتراك من الإبادة الجماعية على يد قادة الانقلاب اليوناني وميليشيات القبارصة الروم. ومنع قادة الجيش وقتها الناس من الإقامة في المباني الشاهقة الموجودة في الحي لأنها كانت على الخط الأخضر بين القطاعين التركي واليوناني وداخل مرمى الميليشيات اليونانية.
ولم تكن "فاروشا" يوماً منطقةً "مسوّرة"، ولم يتم الاحتفاظ بها كورقة مساومة. إذ كان القبارصة الأتراك سعداء بإنقاذهم من الموت المحقق ولم يكونوا بحاجة إلى التفاوض مع أي جهة على أي شيء.
ولأن "فاروشا" تمثل الجزء السياحي الحديث من المدينة، فقد خضعت جميع الشقق المملوكة لليونان وغيرها من العقارات المطلة على الشاطئ لقضايا تعويض قدمها أصحابها إلى لجنة العقارات غير المنقولة في جمهورية شمال قبرص التركية. ما جعل تلك القضايا إضافةً لتدابير الحماية التي اتخذتها جمهورية شمال قبرص التركية تحول المنطقة إلى "مدينة أشباح".
وفي 8 أكتوبر 2020 أعادت جمهورية شمال قبرص التركية فتح المنطقة جزئياً، وجددت دعوتها لليونانيين للتقدم والمطالبة بممتلكاتهم. ومع ذلك، فإن الإدارة القبرصية الرومية تمنع ذلك، وتعاقب أولئك الذين يتواصلون مع جمهورية شمال قبرص التركية. وفي العام الماضي، رفع العديد من القبارصة الروم دعوى قضائية ضد دولة قبرص للحصول على تعويض عن خسائرهم المالية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة على أعضاء مجلس الأمن الموقر هو لماذا ظهرت هذه القضية المتعلقة بحقوق الملكية لـ 425 قطعة أرض على شاطئ "فاروشا" في قبرص على جدول أعمالهم الآن ولم تظهر على سبيل المثال قضية خروج مليون أفغاني من بلادهم وتركهم ممتلكاتهم وتحولهم إلى طالبي لجوء في جميع أنحاء العالم؟
إن اتباع نهج أكثر إنصافاً في قضية قبرص دفع تركيا وقبرص التركية إلى اقتراح إقامة علاقة تعاونية بين شطري الجزيرة حيث يتمتع كلا السكان فيها بوضع دولي متساوٍ، ومع ذلك ظهرت قضية "فاروشا" على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي في غضون ثلاثة أيام فقط! إنها بالفعل سرعة هائلة لمنظمة دولية لم تناقش مستقبل أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي.
وكان من المفترض بأعضاء مجلس الأمن التفكير في صياغة البيان الرئاسي وهل يتوافق مع واقع الجزيرة أم لا؟ وإذا لم يحدث "فتح" وكانت حقوق الملكية مكفولةً للجميع سواء كانوا يونانيين أو أتراك أو أمريكان أو بريطانيين على مدار الـ 47 عاماً الماضية، فمن الذي يدفع بهذه القضية إلى مكاتب مجلس الأمن؟
والأمر لا يقتصر على أعضاء مجلس الأمن الدولي فحسب، بل يجب على جميع أعضاء الكونغرس الأمريكي أيضاً أن ينسوا جمهورية قبرص وبدلاً من ذلك يبدؤون في تقييم المبادرة الواقعية لدولتين على الجزيرة تتمتعان بوضع متساوٍ. هذه الصيغة تسمى حل الدولتين. إنه ليس مثل احتلال شبه جزيرة القرم أو أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية أو محاولة ضم الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. كما أن تركيا لم تحتل أرض جمهورية قبرص بل قام النظام العسكري اليوناني بضم قبرص المستقلة إلى اليونان في عام 1974. ومنذ ذلك الحين، صارت قبرص العضو في الأمم المتحدة موجودة على الورق فقط.
ويتعين على كل منصف وعادل في الأمم المتحدة وفي كل مكان إيقاف التغافل عن الحقائق ومحاولة فهم الواقع والعمل به وإلا فسوف يخدع نفسه فقط.