استحوذت تركيا على اهتمام العالم مرة أخرى، بسبب نشاطها الدبلوماسي المكثف. فقبل عشرة أيام من انتهاء صفقة الحبوب، استضاف الرئيس رجب طيب أردوغان نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إسطنبول. وفي الوقت نفسه، يواصل الدبلوماسيون والصحفيون التساؤل عما إذا كانت تركيا ستوافق على طلب عضوية السويد في الناتو قبل قمة فيلنيوس في 11-12 يوليو/تموز 2023. وعلاوة على ذلك، من المقرر أن يزور أردوغان دول الخليج في 17-19 يوليو/تموز ويستضيف رئيس مصر عبد الفتاح السيسي في 27 يوليو/تموز.
ومن أحد الأسباب الرئيسية وراء النشاط الدبلوماسي التركي، تأكيد أردوغان على تعزيز السياسة الخارجية بعد فوزه في الانتخابات، وخصوصاً وأن البلاد برزت كوسيط في حرب أوكرانيا، من خلال التوسط في صفقة الحبوب وتبادل الأسرى وهو إنجاز دبلوماسي كبير.
وتبحث الأطراف المعنية في الوقت الحاضر، عن طريقة لتمديد صفقة الحبوب للمرة الرابعة، كما يعكس لقاء أردوغان مع زيلينسكي جهود تركيا لإيجاد حل دبلوماسي للحرب الأوكرانية وخاصةً أن واشنطن لا تمانع في إضعاف موسكو بحرب استنزاف، وتقوم بتسليم أسلحة جديدة إلى كييف. وفي الوقت نفسه، فإن الحكومات الأوروبية ليست في وضع يسمح لها بإطلاق أي مبادرات دبلوماسية في سياق الأزمة الأوكرانية، مع الأخذ في الاعتبار أن الهجوم المضاد لأوكرانيا في الربيع لم يسفر عن نتائج، الأمر الذي يدعو للاعتقاد بأن اجتماع الرئيس التركي مع نظيره الأوكراني ركز على مستقبل الصراع، بالإضافة إلى تمديد صفقة الحبوب والوضع في زابوريجيا.
محاولة انضمام السويد لحلف الناتو
تتصدر الخطط الدفاعية الجديدة لحلف الناتو والعضوية السويدية جدول أعمال قمة فيلنيوس، حيث يعمل الأمين العام ينس ستولتنبرغ بجد لحمل أنقرة على التوقيع على قبول السويد. وبالنظر إلى خطاب أردوغان في جامعة الدفاع الوطني، حيث طلب من استوكهولم الوفاء بالوعود التي قطعتها في قمة مدريد، فإن المحادثات الدبلوماسية لم تسفر عن نتائج. وفي إشارة إلى أن أي حليف من الناتو لم يساهم في الحلف بقدر ما ساهمت تركيا، أكد أردوغان التزام بلاده بسياسة الباب المفتوح لحلف شمال الأطلسي في إشارة إلى قبول فنلندا. وأضاف أن "الإرهاب لا يمكن أن يتعايش مع الديمقراطية والإنسانية"، وجادل بأن التزام السويد بمكافحة الإرهاب أحد القيم الأساسية للناتو، مع الأسئلة التالية: "كيف يمكننا الوثوق في بلد يجوب فيه الإرهابيون الشوارع بحرية؟ كيف يمكن لدولة لا تنأى بنفسها عن المنظمات الإرهابية أن تساهم في الناتو؟ كيف يمكن لأي شخص أن يحارب أعداء الحلف دون قمع الإرهاب؟"
وتشير تصريحات أردوغان إلى أن أنقرة، غير الراضية عن التعديلات القانونية للبرلمان السويدي، ترغب في رؤية إجراءات ملموسة. وليس من الممكن مواجهة مطالب الرئيس التركي من السويد كحليف محتمل، عبر اتهامه بالابتزاز في وسائل الإعلام الغربية. وفي الواقع، يدعم الشعب التركي حكومته في مطالبة السويد، التي سمحت مؤخراً بتظاهرات منظمة بي كي كي الإرهابية وحرق القرآن، بالوفاء بوعودها في مواجهة الإرهاب.
ويعقد ستولتنبرغ اليوم مناقشة نقدية مع أردوغان ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، حيث يبدو من غير المحتمل ولا نقول من المستحيل، أن يتمكن من إقناع أنقرة. ومن الواضح أن الادعاء بأن "السويد فعلت كل ما في وسعها بالفعل" والقول بأن "بيع طائرات مقاتلة من طراز إف-16 سيكون مستحيلاً" بدون موافقة السويد، لن يساعد أي طرف في الوصول إلى ما يريد.
ويجب على الحكومة السويدية أن تثبت أنها تريد الانضمام إلى الناتو من خلال معالجة مخاوف أنقرة الأمنية. كما تحتاج أيضاً إلى الإشارة إلى أنها ستستمر في اتخاذ الخطوات ذات الصلة بعد الانضمام إلى الحلف. وتتطلب عضوية الناتو إنهاء عمليات الحظر التي لا معنى لها ومعالجة الاحتياجات الدفاعية لتركيا. وأي خطوات إيجابية في تلك المسارات قد تنهي الأزمة في قمة فيلنيوس. وللمضي قدماً في ذلك السياق، سيركز النشاط الدبلوماسي التركي أيضاً على استكمال سياسة التطبيع وتعزيز الشراكات الاقتصادية والدفاعية على المستوى الإقليمي.