ليس من المستغرب أن يظهر تحالف المعارضة التركي، الذي فشل في مواجهة زعماء "بي كي كي" ولم يطالب بصمتهم، تردداً عندما يتعلق الأمر بتحدي وسائل الإعلام الغربية المنحازة.
كما لم يكن من المستغرب أن تضاعف وسائل الإعلام الغربية حملتها ضد أردوغان في الداخل، فبالإضافة إلى مجلة "إيكونوميست" البريطانية، التي أيدت كثيراً مرشح المعارضة في السباق الرئاسي التركي، قامت مجلات غربية أخرى مثل "فورين بوليسي" و"بوينت" و"إكسبريس" و"دير شبيغل" و"واشنطن بوست" بالتدخل بشكل ملحوظ في الانتخابات التركية.
وبعد أن حددت انتخابات 14 مايو/ أيار باعتبارها أهم منافسة في عام 2023، لم يكن من المتوقع من وسائل الإعلام الغربية أن تروج للرئيس رجب طيب أردوغان، لأن هؤلاء الناس يكرهون الرئيس التركي والتزامه الثابت بالدفاع عن المصالح التركية كونهم يتوقون إلى تركيا "سهلة الانقياد"، وعلاوة على ذلك، فإنهم محبطون من تحديات أنقرة وخطواتها الفعالة في ظل تغير ميزان القوى الدولي.
وبعيداً عن البيان أن الانتصار المحتمل لرئيس حزب الشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو، سيكون في مصلحة القوى الغربية، فقد تعهد لهم بالفعل بإغلاق نظام الدفاع الجوي إس-400، واتخاذ موقف مؤيد للغرب في العلاقات مع روسيا والامتثال لمطالب الناتو وتطوير سياسة مختلفة تجاه مسلحي واي بي جي/بي كي كي في الشمال السوري، وكل هذا يناسب الغرب تماماً. والحقيقة أن القوى الغربية لا تهتم بما إذا كانت هذه الخطوات تضر بالمصالح التركية أو تقوض الاستقرار الإقليمي، ولذلك لم يتفاجأ الأتراك من التعليقات المنحازة لوسائل الإعلام الغربية.
وللتسجيل، فإنه لا يوجد أي مكان على الإطلاق فيه تصريحات مؤيدة لأردوغان في تلك المنشورات، والتي تستخدم عمداً مصطلحات مثل الخطر والتحدي والتوسع، في تغطيتها للأهمية الاستراتيجية والدبلوماسية المتزايدة لتركيا، وعلينا أن نتذكر أن وسائل الإعلام الغربية دعمت باستمرار المعارضة في الانتخابات التركية والاستفتاءات الدستورية على مدى العقد الماضي.
وفي الواقع، فإن تحليل الخطاب الغربي حول التحول الاستبدادي المفترض لتركيا بقيادة أردوغان، يمكن أن يولد مؤلفات أكاديمية كبيرة، لقد طوروا الكثير من الحجج ووجهوا الكثير من الاتهامات حتى أن إدوارد سعيد أعاد كتابة رائعته "الاستشراق" عدة مرات. واتهمت وسائل الإعلام الغربية الحكومة التركية بـ "الفاشية الإسلامية" و"العثمانية الجديدة العدوانية"، كما وصفت رئيس البلاد بأنه "سلطان توسعي" و "بوتين آخر". وفي الوقت الحاضر، راحوا ينهجون نهجاً بعيداً تماماً عن الواقع وذلك من خلال تخيل أن الهزيمة المحتملة لأردوغان، ستفضي إلى موجة عالمية مناهضة للاستبداد.
أفعال حزب العدالة والتنمية مقابل "الوعود"
طوال عقدين من حكم حزب العدالة والتنمية، راكمت تركيا نوعاً من الخبرة عزز الاستقرار في جوارها وأظهرت الاحترام الواجب للتفضيلات الشعبية، ونجحت الدولة في التعامل مع تداعيات الحروب الأهلية والهجمات الإرهابية وموجات اللاجئين.
وترتبط قوة تركيا المتزايدة بالرغم من التوترات العرضية مع حلفائها الغربيين، بقدرتها على إدارة الأزمات الإقليمية، حيث أظهرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مراراً كيف أن أجندة "تعزيز الديمقراطية" في الشرق الأوسط وأفريقيا كانت نفاقاً مدفوعاً بالمصالح.
ويعرف العالم أن تلك الدول التي شهدت الربيع العربي بأسوأ أشكاله، تساوي "الديمقراطية" مع مصالحها المحددة بدقة. والنتيجة الكارثية لغزوات الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق كانت أحد أسباب انهيار النظام الليبرالي وهو ما أطلقوا عليه ذات مرة نهاية التاريخ.
وهذا هو السبب في أن ادعاء وسائل الإعلام الغربية بأن فوز كليتشدار أوغلو سيجلب الديمقراطية إلى تركيا لم يؤخذ على محمل الجد من قبل الناخبين الأتراك. وعلاوة على ذلك، فهم يدركون تماماً أن الخطاب الغربي يدور حول التخلص من القادة الأتراك الذين يشكلون رقماً صعباً من خلال مطالبتهم بتحالف بين أنداد.
ومن المهم أن نلاحظ أن الناخبين الأتراك ليسوا قلقين فقط من أن فوز كليتشدار أوغلو المحتمل قد يعرض بلادهم للخطر من خلال تقويض القتال ضد المنظمات الإرهابية كتنظيم "بي كي كي" وجماعة غولن الإرهابية، بل أنهم قلقون أيضاً من أن مصالح تركيا الراسخة في شرق البحر المتوسط وبحر إيجة وسوريا وليبيا وأماكن أخرى قد تكون مهددة.
ولقد وجهت في عمودي السابق دعوةً للمؤسسة السياسية التركية للاحتجاج على محاولة "الإيكونوميست" للتدخل في انتخابات ديمقراطية، وسرعان ما حذر تحالف الشعب من التدخل في الانتخابات، ومع ذلك استمرت المعارضة في الصمت، ومن الواضح، أن لا أحد يمكن أن يتفاجأ بأن قادة المعارضة الذين لم يتمكنوا من إخبار زعماء "بي كي كي" بإغلاق أفواههم، يترددون في التحدث ضد وسائل الإعلام الغربية.