لقد تجاوزت محاولات بعض الأكاديميين اليساريين لدعم قلتشدار أوغلو منذ فترة طويلة حدود الانقسام المألوف بين "نحن" و"هم" في السياسة.
تعمل الأحزاب السياسية في تركيا جاهدة لوضع اللمسات الأخيرة على قوائم مرشحيها بحلول الموعد النهائي في 9 أبريل/نيسان. وربما تجد اللجان المكلفة بذلك صعوبة في اختيار المرشحين في هذه الانتخابات تحديداً أكثر من أي وقت مضى. وتزداد عملية الاختيار تعقيداً بسبب التحالفات الانتخابية التي تنتج قوائم مشتركة في دوائر معينة، ومحاولة التنبؤ بكيفية تأثير هذه القرارات على توزيع المقاعد البرلمانية.
وبالرغم من أن فترة الحملة الانتخابية قد بدأت بالفعل، إلا أن المرشحين الرئاسيين يمتنعون إلى حد كبير عن إثارة المعارك الخطابية في شهر رمضان المبارك.
ويتضمن جدول الرئيس رجب طيب أردوغان وجبات إفطار واحتفالات رائدة في المنطقة التي ضربها الزلزال وافتتاح مشاريع مهمة. وبهذا المعنى، يستمر المرشح الأوفر حظاً في تذكير الناخبين بأنه يميز نفسه عن البقية من خلال تاريخه في الخدمة العامة والمشاريع والتنفيذ الفعلي لمصالح الأمة.
وفي هذه الأثناء، يحاول رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي كمال قلتشدار أوغلو، بعد حصوله على تأييد كتلة المعارضة، استبدال موقفه القتالي بنهج أكثر شمولاً، مع مواصلة بعض الشخصيات الإعلامية المؤيدة لحزبه تهديدها بمحاسبة دوائر حزب العدالة والتنمية الحاكم وتقديمهم للمحاكمة. وبهذا المعنى، فإن ما نراه من السجالات الحالية يذكرنا بانتخابات البلدية لعام 2019، إذ تزعم قيادة حزب الشعب الجمهوري أنها ترحب بالجميع، لكنها تواصل تأجيج الاستقطاب في محاولة لترسيخ قاعدتها. وبالتالي، لن يكون من المستغرب أن نواجه المزيد من النقاشات الساخنة بعد 9 أبريل/نيسان، وبالتحديد بعد انتهاء رمضان.
ومما لفت انتباهي في الدورة الانتخابية الحالية هو الغضب المتطرف وقضية سجادة الصلاة والهندسة العكسية التي تدعم بعض السياسيين لتبني فروقات واتهامات جذرية وجوهرية. وللتفصيل أقول أن اللهجة المتطرفة التي تبناها المعلقون المؤيدون للمعارضة والأكاديميون والشخصيات الإعلامية من أجل "توحيد المعارضة" وتعبئة الناخبين، أصبحت مدعاة للقلق.
فعلى سبيل المثال، نجد أن الرجم المجازي لرئيسة حزب جيد، ميرال أقشنر عند مغادرتها كتلة المعارضة، ومعالجة محرم إنجة المستمرة لقراره خوض الانتخابات الرئاسية، تعكس الغضب الهائل الذي تراكم لدى المعارضة العلمانية المتطرفة. وعلى النقيض من ذلك، لم يواجه حزب السعادة وحزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل رد فعل مماثل من المحافظين للانضمام إلى كتلة المعارضة التي يهيمن عليها حزب الشعب الجمهوري، والمعروفة أيضاً باسم "طاولة الستة".
وبعبارة أخرى، بدا المحافظون في تركيا والذين يفضل البعض انتقادهم على افتراض أنهم مطيعون ويؤمنون بحتمية ما قبل الحتمية، يفكرون في قضايا البلاد بشكل أكثر عقلانية وبفطنة أكبر من العلمانيين المتطرفين.
الغضب العلماني المتطرف
يتفق الجمهور المحلي والدولي على أن انتخابات 14 مايو/أيار ذات أهمية حاسمة. ومع ذلك، يجب على المرء أن يسأل ماذا نستنتج من الغضب العلماني المتطرف الذي يدفعهم إلى "إعدام" زملائهم في المعارضة بوصفهم "انفصاليين"؟ وكيف تبدو الإشارة إلى الانتخابات المقبلة على أنها "الأخيرة" منطقية؟ وما هو نوع الاستعارة التي استخدمها دبلوماسي سابق في الزعم بأنهم "سيغلقون أبواب الجحيم" بتغيير الحكومة؟
أشك في أن تصنيف حكومة حزب العدالة والتنمية بهذه الطرق يمكن أن يؤثر على الناخبين. إن مساواة الوضع الحالي بـ "الجحيم" ليس أقل مأساوية من قيام كمال قلتشدار أوغلو بتلاوة آية قرآنية في مأدبة إفطار أقامها حفل السعادة.
فهل استنفد حزب المعارضة الرئيسي بالفعل خطاب حكم الرجل الواحد؟ وهل لهذا السبب يستغلون الرموز والمفاهيم الدينية على حساب حزب العدالة والتنمية والمحافظين؟ لا شك أن محاولة الهندسة العكسية المتطرفة تلك ستفشل بمجرد أن يطأ رئيس حزب الشعب الجمهوري على سجادة الصلاة بحذائه.
كذلك يمثل تحالف الشعب والأمة رؤيتين مختلفتين لمستقبل تركيا، وتتمثل مهمة صانعي الرأي بمقارنة أوراق سياساتهم وبياناتهم وتعهداتهم الانتخابية وتفسيرها.
وإلا لماذا قد يُخضِع أي شخص البلاد لخيار أساسي بين السلطة والأخلاق؟
ففي محاولة لدعم قلتشدار أوغلو، قام بعض الأكاديميين اليساريين بتصوير الحكومة على أنها "شريرة" والمعارضة على أنها "خيّرة" مع كل ما تعانيه من الراديكالية الجوهرية. لقد تجاوزت أفعالهم منذ فترة طويلة حدود الانقسام المألوف للغاية بين "نحن" و "هم" في السياسة. فهل نصدق أن التحالف مع حزب الهدى وحزب الرفاه الجديد، يرقى إلى مستوى "كراهية النساء"، بينما يتعلق الانضمام إلى حزب الشعوب الديمقراطي والحصول على تأييد بي كي كي الإرهابي "العمل من أجل أصحاب المشاكل" في تركيا؟
إن قيام الأكاديميين بتقييم تجربة حزب العدالة والتنمية من وجهة نظر راديكالية تتجاوز التسييس، هي مصدر قلق للبلد بأكمله.