طالب الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخراً حزب الجيد "تبني موقفاً قومياً، وإعادة النظر في موقفهم الحالي والتخلي عن طاولة الستة ". وبعد هذه الدعوة مباشرةً توجهت كل الأنظار إلى ميرال أكشينار رئيسة الحزب.
وأثارت دعوة الرئيس تلك، فضول العديد من المراقبين لمعرفة سبب إصدارها، وهو يعلم جيداً أن حزب الجيد سيرفض عرضه. بل إن بعض المعلقين زعموا بطريقة غريبة إلى حد ما، أن أردوغان "خائف" من كتلة المعارضة.
والحقيقة أن دعوة أردوغان كانت خير مثال على قدرته على المناورة السياسية، فهي تعكس نوعاً من السياسة يجب استكمالها بخطوات إضافية بالرغم من رفض حزب الجيد لها.
فمن المعروف أن النظام الرئاسي التركي يتطلب من أي مرشح الوصول إلى أغلبية بسيطة. وكان هذا المطلب هو القوة الدافعة وراء سياسات التحالف. وللتوضيح، لجأ تحالف الشعب وتحالف الأمة إلى نفس التكتيكات منذ أغسطس/آب 2018، في محاولة منهم لدق إسفين بين أعضاء التحالف المنافس، مع الحفاظ على وحدة تحالفهم.
حزب الجيد هو حجر الزاوية في تركيا
مثلما شكك رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو في مشاركة حزب الحركة القومية مع حزب العدالة والتنمية استناداً إلى المبادئ القومية، يذكّر أردوغان ودولت بهتشلي رئيس حزب الحركة القومية، حزب الجيد الآن بأن عليه ألا ينتمي إلى كتلة المعارضة.
وهذه الفكرة لا تقتصر على أكشينار وحركتها فقط، بل يطرح "تحالف الشعب" معايير "مواطنون وطنيون" بانتظام للتواصل مع مؤيدي "طاولة الستة".
وبناءً على ذلك، ينتقد أردوغان رئيس حزب الشعب الجمهوري، ويصفه بـ "السيد كمال" للتشكيك بفرضياته ومدى تأثيرها على كتلة المعارضة وثقة قيادة حزب الشعب الجمهوري بها. وفي الوقت نفسه، دعا إلى "تحول وطني وطني" لزيادة قيمة حزب الجيد وزعيمته لـ "طاولة الستة".
في الواقع، لم ترفض أكشينار اقتراح أردوغان بل حددت على الفور حزب الجيد باعتباره حجر الزاوية في تركيا قائلةً: "لا يمكن لأي طرف أن يفعل أدنى شيء دون إشراك حزب الجيد".
مشيرة إلى أنها ولدت في عائلة تربطها صلات بحزب الشعب الجمهوري والحزب الديمقراطي، راحت أكشينار تنسب انتصارات المعارضة في 11 مدينة رئيسية في انتخابات البلدية لعام 2019 لحزبها. وبعد أن أعلن حزب الشعب الجمهوري بالقول "سددنا ديوننا"، من المستحيل أن يجهل "حزب الجيد" أن أياً من هذه المدن الكبرى لا يديرها هو. وبعبارة أخرى، استفاد حزب الشعب الجمهوري بشكل غير متناسب من تعاونه مع حزب الجيد الذي تمكن من الفوز ببعض المناقصات من البلديات التي تسيطر عليها المعارضة وتعيين بعض موظفيه.
وإذا ما حدث نفس الشيء في العام المقبل، فسيكون حزب الجيد قد استقر على كونه حزباً يمينياً صغيراً في السياسة التركية. وهذه المخاوف بدورها، تسبب مشاكل داخل تلك الحركة وتؤدي إلى خسائر فادحة.
وهذا عرض لبعض المشاكل التي لا يستطيع الحزب الذي يطمح أن يكون "أكبر حزب يمين وسط"، معالجتها:
1. إذا أصبح رئيس حزب الشعب الجمهوري قليجدار أوغلو، المرشح الرئاسي المشترك لكتلة المعارضة، فسيتم تقليص أكشينار إلى لاعب ثانوي ضمن "طاولة الستة"، ناهيك عن السعي لقيادة سياسة يمين الوسط.
2. ستجد أكشينار كونها لاعباً ثانوياً، صعوبةً أكبر في التواصل مع الناخبين اليمينيين المحافظين والعلمانيين في وقت واحد.
3 - في الوقت الذي يركز فيه حزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل على السياسات المشتركة والعملية الانتقالية، يشتكي حزب الجيد باستمرار من المرشح الرئاسي المشترك وقضية الحجاب وحزب الشعوب الديمقراطي. وبالتالي، لم تتمكن الحركة من إقناع كتلة المعارضة بدعم مقترحات سياستها أو جلب أصحاب مصلحة إضافيين إلى طاولة المفاوضات.
4. لطالما كانت تحركات حزب الجيد فيما يتعلق بالمرشح الرئاسي المشترك، هدفاً للتأديب والتشكيك في دوائر حزب الشعب الجمهوري.
5. تقود أكشينار في الأصل منظمة قومية تركية، لذلك تجد صعوبة في التنافس مع حزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل وحتى مع حزب الشعب الجمهوري، في التأثير على الناخبين العلمانيين اليمينيين.
6. ترد المجموعات التي ترغب بشدة في قبول حزب الشعوب الديمقراطي في كتلة المعارضة، على وجهة نظر حزب الجيد بأن قليجدار أوغلو "لا يمكنه الفوز بدون حزب الشعوب الديمقراطي".
7. نظراً لأن تحالف الشعب يحث حزب الجيد على أن يكون حركة "وطنية وطنية"، فقد وصف حزب الشعوب الديمقراطي أكشينار بأنها "عدوة للأكراد".
كل هذه القضايا تظهر أن حزب الجيد يظل أكثر عرضة للمناورات الداخلية والخارجية من قبل التحالفين. وفي الواقع، تقع هذه الحركة في قلب سياسات الهوية والعيوب الأيديولوجية أيضاً. وإلى الآن، لم تراجع أكشينار بنجاح تلك الخطوط العريضة التي ستصبح أكثر تصدعاً مع اقتراب موعد الانتخابات.
والكل يرى تصادم غرور حزب الشعب الجمهوري بقوله "هذا هو وقتنا" مع طموح حزب الجيد في أن يصبح أكبر حزب يميني، بينما يكتفي أردوغان بتسليط الضوء على هذه الحقيقة بين الفينة والأخرى.