حين كشف الرئيس رجب طيب أردوغان عن رؤية "قرن تركيا" واستشراف مستقبل البلاد يوم الجمعة، لم يفاجأ أحد بانتقاد المعارضة لهذه الرؤية.
وفي الحقيقة اعتبرت هذه الرؤية استحضاراً لإجماع وطني جديد وهوية ديمقراطية تشاركية للجمهورية والحريات الإيجابية والعدالة الاجتماعية والإثراء من خلال التنوع وتعزيز الدولة للفضيلة والعدالة. ومع ذلك، اعترض مؤيدوا المعارضة على "قرن تركيا" لأنهم لم يستشعروا قابليتها للتصديق.
وادعى هؤلاء النقاد أن حزب العدالة والتنمية لم يستطع إقناع أحد برؤيته في هذه المرحلة، زاعمين أن سجل الحركة على مدى عقدين من الزمن لم يمتثل لدعوته إلى "استبدال سياسة الاستقطاب بسياسة التوحيد".
بينما اختار الأكثر تعاطفاً من مؤيدي المعارضة الانتظار ليروا ما سيحدث.
وباعتقادي أن السياسيين الذين دعوا الصحفيين المؤيدين للمعارضة إلى "خطاب الرؤية" توقعوا كل ردود الفعل هذه لأن التواجد في موقع السلطة يستلزم تحمل الأعباء والمسؤولية. كما أن تركيز المعارضة على جانب "المصداقية" يجب ألا يضعف من تصميم حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وتتوقع جميع الكتل الانتخابية بدءاً من الشباب، خطاباً شاملاً واستبدال الاستقطاب بالتوحيد والسلام والعمل الجماعي، فحزب العدالة والتنمية حارب في ظل ظروف صعبة وتكيف مع الظروف المتغيرة عندما حان وقت التغيير، فأصبح بذلك حركة تكتب قصتها وتعيد كتابتها.
والواقع أن قدرة حزب العدالة والتنمية القوية على إعادة اكتشاف نفسه تعكس قيادة أردوغان القوية.
فما هو نقد المعارضة؟
يتعين في هذا السياق على حزب العدالة والتنمية الاستفادة من الأجزاء النافعة من نقد المعارضة لتعزيز خطابه الشامل. ولا ينبغي أن يسمح للمنافسات وحروب الكلمات التي هي جزء من السياسة اليومية، أن تقف في طريق الخطاب الشامل.
وعلاوة على ذلك، أنهى أردوغان خطابه بدعوة جميع الفئات الاجتماعية إلى "مناقشة قرن تركيا بحلول 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023" لإنشاء منصة جديدة تتضمن نقد المعارضة من بين أمور أخرى.
ولهذا السبب تركز الأجندة الجديدة على "الحديث عن القرن المقبل للجمهورية والمستقبل معاً". ومن شأن التوصل إلى أي اقتراح أو عرض قبل انتخابات العام المقبل، أن يشكل اختباراً أساسياً لهذه الرؤية.
وبالنظر لميل حزب الشعب الجمهوري لاستخدام مفهوم "القرن الثاني للجمهورية" في مسار الحملة الانتخابية، يجب أن تمثل "جمهورية الجميع" الأرضية المشتركة للسياسة التركية.
ولا بد أن يكون تبني المثل العليا للجمهورية هو القيمة المشتركة في السياسة، تماماً كما يجب أن يركز النقاش السياسي على من سيوجه سفينة البلاد في المياه الخطرة لعالم اليوم. ويبقى السؤال الأهم يدور حول الرؤية والمبادئ والسياسة التي من شأنها تأمين مستقبل البلاد على أفضل وجه.
كذلك يجب أن يكون النقاش في هذه المرحلة الحساسة حول المستقبل وليس الماضي. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، شهدت تركيا عملية تطبيع للناس المتدينين والأكراد والمجتمع العلوي. وتتطلب تلك العملية من الأمة معالجة مشاكلها المتبقية مع التركيز على المستقبل.
وكل من يركز على الماضي ويستخدم خطاباً رجعياً لا بد أن يخسر هذا الانسجام والتطبيع، بعكس من يبرز الأمل والرفاهية والتنمية والحرية والمشاركة والعدالة ويربح مصلحة الجميع.
لقد حصل تحالف الشعب على ميزة كبيرة باختيار مرشحه الرئاسي والكشف عن رؤيته دون تأخير. وستساعد رؤية أردوغان للقرن التركي والتي من المتوقع أن يسلط الضوء عليها بخطوات جديدة وملموسة كل أسبوع، الحكومة في الحفاظ على زخمها.
وإذا ما اختارت الحكومة استخدام خطاب شامل من الترويج للسيارة الكهربائية التركية إلى احتياطيات الغاز الطبيعي في البحر الأسود ومحطة "أك كويو" النووية، فإن افتقار المعارضة للتركيز والصراع الداخلي والتأخير سيصبح أكثر وضوحاً.
ومن المرجح أن تواجه كتلة المعارضة المعروفة شعبياً باسم "طاولة الستة"، أزمات كبيرة ستجعل من الصعب عليهم إدارة تناقضاتها وخصوماتها.
ومع استعداد الحكومة لاتخاذ خطوات إضافية كجزء من أجندتها الإيجابية، لا زال تأخر المعارضة في الكشف عن برنامجها مثار إشاعات وشكوك تؤثر على مستقبل الجمهورية، إضافةً إلى عدم قدرتها حتى الآن على التوافق على مرشح رئاسي مشترك.