لعل السؤال الأهم في السياسة التركية اليوم هو ما إذا كان يجب على كتلة المعارضة المعروفة باسم "طاولة الستة" أن تبقى معاً أو تتفكك!
فمع اقتراب انتخابات العام المقبل بسرعة، تجد أحزاب المعارضة التركية صعوبة متزايدة في البقاء معاً. إذ بدأت الحرب الكلامية الأخيرة بقول "غورسال تيكين" عضو البرلمان المعارض الرئيسي عن حزب الشعب الجمهوري، مجادلاً بأن حزب الشعوب الديمقراطي يمكن أن يدير إحدى الوزارات إذا ما فازت المعارضة العام المقبل، وجاء رد رئيسة حزب جيد ميرال أكشنار قاسياً عندما قالت: "لن نجلس على أي طاولة يوجد فيها مقعد لحزب الشعوب الديمقراطي ولا يمكن لحزب الشعوب الديمقراطي الجلوس على أي طاولة يوجد فيها مقعد لنا". واحتدم الجدل أكثر بسبب الادعاء بأن بعض أعضاء حزب أكشنار "فازوا بعقود من بلدية أنقرة التي ترأسها المعارضة بفضل ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي".
ويفرض رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو نفسه على "طاولة الستة" بصفته المرشح الرئاسي المشترك لكتلة المعارضة، بينما يؤجج إصرار حزبه على التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي وزيارات أكشنار لرؤساء البلديات المنتسبين إلى حزب الشعب الجمهوري بهدف الحصول على تأييد المعارضة، التوترات بين القائمتين الثقيلتين على "الطاولة".
وفي الواقع، يتحدث الناس كثيراً في هذه الآونة عن عدم تركيز كتلة المعارضة وعدم قدرتها على الأداء كما هو متوقع. وقد وضع بعض المعلقين السياسيين بالفعل رهاناتهم على مستقبل الطاولة، فيما حذر آخرون من أن التقلبات الحالية على "طاولة الستة" ستؤدي إلى سقوط الطرف المسؤول.
وبالنظر إلى المناقشات بين حركات المعارضة المتجمعة حول "طاولة الستة"، يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: أيهما أشد تكلفةً قلب الطاولة أم إبقائها متماسكة؟
المفترض أن ترك الطاولة من شأنه الإضرار بالأطراف المعنية، لأنه يصبح من الصعب أكثر فأكثر أن يظل الأطراف جالسين على تلك الطاولة بالنظر إلى أنهم غير قادرين حتى الآن على الموافقة بشكل مشترك على مرشح رئاسي والمصافحة على أجندة مشتركة. وفي النهاية يعلم الجميع أن الدراجة لا يمكن أن تتوازن وتستمر بالسير ما لم يواصل المرء إعمال الدواسات.
وليس بمقدور أوراق السياسة ولا الجدول الزمني للعملية الانتقالية، التي أعدتها مجموعات العمل المختلفة لكتلة المعارضة، أن تمنع الناس من السؤال عن المرشح المشترك. وفي الوقت نفسه، يدور نقاش داخل حزب الشعب الجمهوري وكذلك خلافات بين حزب الشعب الجمهوري والشريك التنفيذي، حول المرشحين المحتملين وكيفية وضع حزب الشعوب الديمقراطي مقابل "طاولة الستة". وهذه العوامل مجتمعةً وغيرها كثير تعرض مستقبل الكتلة للخطر. وبعبارة أخرى، فإن أكبر التحديات التي تواجهها أحزاب المعارضة لا تتأتى من الحزب الحاكم بل من قليجدار أوغلو وأكشنار وأحزابهم وأنصارهم.
وفي ظل هذه الظروف، لم يعد أمام الحكومة خيار سوى الوصول إلى الاستنتاج الذي رسمه الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخراً: "طاولة الستة ليس لها سوى بند واحد على جدول أعمالها وهو تحديد من سيستضيفون في اجتماعهم التالي. فهم لم يحرزوا أي تقدم ولم يتخذوا أي خطوات على الإطلاق. أعتقد أنهم لن يكونوا قادرين على اتخاذ أي قرارات حتى يعلن المجلس الأعلى للانتخابات عن الفائز".
إن افتقار كتلة المعارضة لبرنامج طموح ومرشح رئاسي مشترك يضر بهم بشدة لدرجة أن الحكومة لا تحتاج حتى إلى انتقادهم. ولا يقف قادتهم مكتوفي الأيدي بل يستمرون في تكثيف التنافس بينهم.
فبينما يجر قليجدار أوغلو احتمال ترشيحه إلى نقطة اللاعودة، لا يزال هناك حديث عن الرئيس السابق عبد الله غول أو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور يواش، لخوض الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي الوقت نفسه، يريد الحزب أن يصبح حزب يمين الوسط الرائد وكذلك أكبر حزب معارض في تركيا. وهذا هو السبب في إصرار حركة أكشنار على إبقاء رؤساء بلديات أنقرة وإسطنبول الذين أبعدهم رئيس حزب الشعب الجمهوري عن الطاولة، في السباق.
ووسط كل هذه التطورات، هناك بعض المعلقين يذكّرون قادة المعارضة بأنهم جميعا في نفس الجانب، ويحاولون مساعدة "طاولة الستة" على إعادة التركيز من خلال إثارة مسألة الفوز في الجولة الأولى.
لكن إحساسي الشخصي أن كتلة المعارضة مقدر لها أن تفتقر إلى التركيز. وباستمرارهم على هذا النحو، لن يتمكنوا من معالجة هذه المشكلة حتى لو حاولوا ذلك.
لقد أظهر الجدل الأخير حول حزب الشعوب الديمقراطي بوضوح أن عجز "طاولة الستة" عن الخروج بخطة طموحة سيؤثر سلباً على الأطراف المعنية ومؤيديهم. والواقع أن المطالب المتطرفة لحزب الشعوب الديمقراطي تتضمن إعادة هيكلة تركيا، وهو يسعى إلى تشويه سمعة أكشنار بقوله إنها "اشتهرت بتعاملاتها المشبوهة".
وختاماً، تتمثل المعضلة الرئيسية بأن استمرار المعارضة بافتقارها إلى التركيز، يخلق مشاكل لا تقل عن معالجة المشاكل الفعلية. وما يزيد الطين بلة بالنسبة للمعارضة هو أن الحزب الحاكم لم يبدأ حتى باللجوء إلى تكتيكات الحملة.