لا يزال حزب العدالة والتنمية الحاكم في السلطة منذ 20 عاماً، وذلك بفضل القيادة السياسية المثالية للرئيس رجب طيب أردوغان والدعم الشعبي الهائل الذي يتمتع به.
وقد احتفل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بعيد ميلاده الحادي والعشرين الإثنين الماضي. وتمثل الحركة بتشكيلها حكومة حزب واحد بعد 14 شهراً فقط من إنشائها وبقائها في السلطة لمدة 20 عاماً متتالية، الحزب السياسي الأكثر استثنائية في تاريخ الديمقراطية التركية. ومما لا شك فيه أن الأداء السياسي والقيادة المميزة والدعم الشعبي للرئيس رجب طيب أردوغان تشكل مجتمعةً القوة الدافعة وراء قدرة حزب العدالة والتنمية على الفوز في كل الانتخابات خلال تلك الفترة.
ورغم أن حزب العدالة والتنمية مزج في الأصل إرث الحزب الديمقراطي والنظرة الوطنية وحزب الوطن الأم، إلا أن مصيره كان مختلفاً بشكل ملحوظ عن كل تلك الحركات. ووصل إلى السلطة في وقت كان فيه مدبرو الانقلاب وحدهم يتخذون قرارات حاسمة أو استثنائية، فأثبت أن السياسيين لديهم ما يلزم لتغيير تركيا. ومن هنا كان تأثير الحزب الاستثنائي على الحياة السياسية التركية.
ومن المؤكد أن إحباط محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز 2016 واعتماد نظام حكم جديد، كانت أحداثاً غير مسبوقة في السياسة الديمقراطية، ما جعل الإطاحة بحزب العدالة والتنمية من خلال انقلاب عسكري أمراً مستحيلاً ولا يمكن وقوعه كما حصل مع الحزب الديمقراطي أو أن يتآكل بسرعة مثل حزب الوطن.
قوة حزب العدالة والتنمية
قوبلت فترة ولاية حزب العدالة والتنمية وأردوغان بالثناء والانتقاد في الداخل والخارج، وهذه طبيعة السياسة. ولا بد من قول أشياء كثيرة عن حركة سياسية وزعيمها صوّت لهما حوالي 70% من المواطنين في وقت ما.
إن بقاء حزب العدالة والتنمية أكثر الحركات شعبيةً في تركيا بالرغم من التحديات الاقتصادية وخسائر عقدين من الزمان، حتى انتخابات العام المقبل، هو أمر يصعب على زعماء المعارضة تفسيره. والحقيقة أن السمات المميزة لهذا الحزب وقائده هي الديناميكية والأداء العالي والقدرة على إعادة ابتكار أنفسهم والقدرة على التكيف بشكل يخدم مصالح الأمة.
ولا ترجع شعبية حزب العدالة والتنمية إلى ظهوره كـ "حزب هوية" كونه امتنع عن التعريف بنفسه أنه حزب جماهيري. وهو الأمر الذي فشل المحللون في إدراكه إذ أن حزب العدالة والتنمية لم يكن أبداً حزباً مرتبطاً بالهوية بل إن قوته تكمن في مكان آخر.
لقد عرّف حزب العدالة والتنمية نفسه بأنه "ديمقراطي محافظ" لأنه رأى نفسه منسجماً مع العالم الحديث والقيم الوطنية. واتخذ مفاهيم معينة مثل "حضارتنا" و"مواطننا" لما يوليه من أهمية للشعب التركي الذي يعكس مُثل الحضارة التي ينتمي إليها. وجمع الحزب هذه المسميات الثلاثة المتعلقة بالهوية مع التحديات المعاصرة. وبناءً على ذلك، يدمج سياسيو حزب العدالة والتنمية مهمتهم السياسية مع دور حركتهم كحزب جماهيري.
دبلوماسية حزب العدالة والتنمية:
من العوامل الأخرى التي تحافظ على ديناميكية حزب العدالة والتنمية وزعيمه، قدرته على تلبية مطالب مختلف الفئات الاجتماعية ومزج الإصلاح والنضال ووضع سياسات قادرة على الاستجابة للتطورات في النظام الدولي.
لكن القضية الأكثر أهمية هي قدرة أردوغان على بناء جسر تفاعلي بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية. وقد استغل هذه المواهب بمهارة أثناء تنفيذ إصلاحات الاتحاد الأوروبي، وخلال الثورات العربية ووسط التوترات مع الحكومات الغربية عام 2013 ومنذ عام 2016 وإلى الآن، بعد أن قدم أداءً مماثلاً خلال جائحة فيروس كورونا، إضافةً لما حققه الرئيس التركي من التقدم على الجبهة الدبلوماسية أكثر من أي زعيم آخر، مع اقتراب الشهر السادس من حرب أوكرانيا من نهايته.
أردوغان قادر بنفس الوقت على تفسير سبب سعيه إلى الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، وتفسير التوترات في شرق البحر المتوسط والتقارب مع روسيا مع محافظته على قاعدته الخاصة.
وبما أن انتخابات العام المقبل تمثل تحديا جديداً لحزب العدالة والتنمية فيجب على الحركة أن تجد طريقة لحساب الخسائر التي تترتب على تولي دفة القيادة وكذلك أخطائها ونواقصها أمام الناخبين، الذين تحتاج منهم إلى تأييد جديد. ومن الواضح أن ميزة حزب العدالة والتنمية تتمثل في أن المعارضة لا تستطيع تقديم نفسها كبديل قابل للتطبيق لمعالجة المشاكل. ومع ذلك، فإن افتقار المعارضة إلى التركيز لن يكون كافيا للفوز.
يحتاج حزب العدالة والتنمية أن يبني على نجاحه في السياسة الخارجية والأمن القومي لتطوير سياسات أكثر شمولاً على الجبهة الداخلية ومواصلة تجديد نفسه. ويجب أن يكون عازماً على إيصال نيته لتحديث نفسه للأكراد وناخبي يمين الوسط والمحافظين المحبطين والشباب. وفي الوقت نفسه، تحتاج الحركة إلى تطوير سياسات جزئية لمعالجة تكاليف المعيشة وعدم المساواة في الدخل.