تقرير الأمم المتحدة عن المناخ يدعو البشرية لاغتنام آخر فرصة

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 22.03.2023 14:32
الجفاف في الهند أرشيفية/الفرنسية الجفاف في الهند (أرشيفية/الفرنسية)

لا يزال أمام البشرية فرصة لمنع أسوأ ما في تغير المناخ وتأمين مستقبل قابل للعيش ومستدام للجميع. ومع ذلك يناشد علماء المناخ الجميع بإصرار لاغتنام هذه الفرصة المتضائلة، للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، أو المخاطرة بإيذاء من يعيش اليوم من سكان المعمورة وأحفادهم لآلاف السنين.

ومع الرسومات التي تُظهر جميع شرائح سكان العالم العمرية من الأطفال إلى كبار السن، والذين من المتوقع أن يعانون أكثر من أي وقت مضى من ارتفاع درجات الحرارة، يعطي تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، لمسةً شخصيةً أكثر، للنتائج المتعلقة بالتهديدات التي تلوح في الأفق مقارنة بالدراسات السابقة الموجهة للحكومات.

وقال التقرير "هناك فرصة تتلاشى بسرعة لتأمين مستقبل قابل للعيش ومستدام للجميع".

وأضاف أن "الخيارات والإجراءات التي تم تنفيذها في هذا العقد سيكون لها آثار الآن وعلى مدى آلاف السنين" مشيراً إلى مخاطر طويلة الأجل مثل التصحر وارتفاع منسوب مياه البحر.

ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالتقرير باعتباره دليلاً لنزع فتيل "قنبلة مناخية موقوتة".

وقال: "عالمنا يحتاج إلى عمل مناخي على جميع الجبهات، عمل كل ما يلزم في كل مكان دفعة واحدة".

وتقصّر الحكومات كثيراً عن التعهدات الواردة في اتفاقية باريس لعام 2015 للحد من ارتفاع درجة حرارة المناخ عن طريق تحويل الوقود الأحفوري، وسط أزمات تشمل كوفيد-19 والاجتياح الروسي لأوكرانيا ونقص الغذاء والعلاقات المتوترة بين الصين والولايات المتحدة، وهما أكبر دولتين باعثتين للكربون.

ويزخر ملخص الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لصانعي السياسات، الذي يكثف آلاف الصفحات من علم المناخ في 6 تقارير ضخمة نُشرت منذ عام 2014، بإشاراتٍ إلى أنماط حياة أكثر صحة مثل ركوب الدراجات والمشي والأنظمة الغذائية الغنية بالفواكه والخضروات التي تحتوي على نسبة أقل من اللحوم عالية الكربون.

كما يحدد المخاطر المتزايدة للصحة العقلية من ارتفاع درجة حرارة المناخ.

وفي هذا الصدد قال "هوسونج لي" رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في مؤتمر صحفي: "لقد أظهرنا الجانب الإنساني" من تغير المناخ، قائلاً إنه كان تحولاً هاماً منذ آخر وثيقة سياسة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2014، والتي تحتوي على إشارات قليلة إلى الأفراد وسلوكهم.

بدوره قال بيتر ثورن أحد مؤلفي اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وأستاذ الجغرافيا بجامعة ماينوث بأيرلندا، إن الوقت قد حان ليقبل الجميع نصيبهم من المسؤولية.

وأضاف: "نحن على جميع المستويات من الحكومات إلى المجتمعات والأفراد، جعلنا تغير المناخ يبدو كأنه مشكلة شخصٍ آخر".

هذا وقد تمت الموافقة على التقرير بعد اجتماع استمر أسبوعاً للعلماء والحكومات في إنترلاكن/سويسرا، للتفاوض على النص.

وتكرر النتائج السابقة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأنه "لا بدَّ" أن تتحمل البشرية مسؤولية تغير المناخ.

ولكن التقارير السابقة تُظهر بشكل ملحوظ ثقة "عالية" أو "عالية جداً" من العلماء حول حجم المخاطر القادمة وتقلص فرص معالجتها.

وتناشد اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أيضاً المصلحة الذاتية للناس، قائلة إن العمل لمكافحة تغير المناخ من خلال التحول إلى الطاقة النظيفة أمر منطقي للصحة والرفاهية، فيما قال المندوبون إنه محاولة لكسب أولئك الذين يشككون في العلم أو الاقتصاد.

المشي وركوب الدراجات

ومما جاء في التقرير أيضاً "إن الحصول على الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء يحسن الصحة، وخاصة بالنسبة للنساء والأطفال" مؤكداً أن انخفاض الكربون والمشي وركوب الدراجات والنقل العام تعمل على تحسين جودة الهواء وتحسين الصحة وفرص العمل وتحقيق العدالة.

وأضاف: "الفوائد الاقتصادية لصحة الناس من تحسين جودة الهواء وحدها ستكون تقريباً نفسها، أو ربما تكون أكبر من تكاليف تقليل الانبعاثات أو تجنبها".

وذكر التقرير أن درجة حرارة الكوكب قد ارتفعت بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق أوقات ما قبل العصر الصناعي، وهو في طريقه لخرق 1.5 درجة مئوية التي تمثل عتبةً لتأثيراتٍ كارثيةٍ أكثر من أي وقت مضى، بين عامي 2030 و 2035 على الاتجاهات الحالية.

وتسعى اتفاقية باريس للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى "أقل بكثير" من درجتين مئويتين مع "متابعة الجهود" عند 1.5 درجة مئوية.

وقال التقرير: "إن الحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية ودرجتين مئويتين ينطوي على تخفيضات سريعة وعميقة وفي معظم الحالات فورية، لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري" محذراً من أن تجاوز درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات مثل ذوبان الجليد الذي لا رجعة فيه والذي من شأنه أن يدفع فوق مستوى سطح البحر.

ويوضح أحد الرسوم التوضيحية في التقرير كيف أن المخاطر بما في ذلك الجفاف والحرائق وارتفاع مستوى سطح البحر وموجات الحرارة، سوف ترتفع بشكل مطرد خلال حياة الناس الحاليين.

وتُظهر الخلفية الملونة مخاطر منخفضة مع اللون الأزرق الفاتح من خلال البيج والبرتقالي وينتهي باللون الأحمر والأرجواني في أكثر مستقبل حرارةً، وأكثرها خطورة في النصف الثاني من القرن.

من جانبها قالت كيسا كوسونين التي قادت وفد غرينبيس في إنترلاكن: "ما يهم هو حياة البشر ومستقبلهم، وحيوية هذا الكوكب. هناك دور للجميع".

وأضافت أن التقرير هو "تحذير أخير" من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لاتخاذ إجراءات لتجنب 1.5 درجة مئوية.

كما ترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن "حماية أفضل للطبيعة" تمثل جزءاً أساسياً من تدابير معالجة تغير المناخ وحماية الناس.

وقال التقرير إنه مع ارتفاع الانبعاثات، فإن الغابات والشعاب المرجانية وذوبان الجليد في القطب الشمالي معرضة لخطر "الانقراض وفقدان لا رجعة فيه للتنوع البيولوجي". وتهدد هذه التغييرات النظم الطبيعية الحرجة التي يعتمد عليها الناس، مثل هطول الأمطار من أجل الأمن المائي والزراعة.

وسيوجه التقرير إلى قمة المناخ السنوية المقبلة للأمم المتحدة في دبي "كوب 28" التي ستنعقد في ديسمبر/كانون الأول. ومن المقرر أن يقدم المؤتمر أول "تقييم" للعمل المناخي بموجب ميثاق باريس.

ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، ارتفعت انبعاثات الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة بنسبة 1% تقريباً عام 2022 إلى مستوى قياسي جديد. وتسير درجات الحرارة حالياً على المسار الصحيح لتصل إلى 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100 وفقاً للسياسات الحالية، ووفقاً لمتتبع العمل المناخي الذي جمعه العلماء.

وقال المندوبون في محادثات إنترلاكن إن المملكة العربية السعودية ومنتجي النفط الآخرين قاوموا دعوات من الدول الضعيفة بما في ذلك الدول الجزرية الصغيرة المعرضة لخطر ارتفاع منسوب البحار، من أجل صياغة أكثر وضوحاً في ملخص التقرير يدعو إلى التخلص التدريجي من الفحم والنفط والغاز، لصالح الطاقة المتجددة.

لكن الصياغة الحالية لا تزال تتضمن نقاطاً قوية لصالح مصادر الطاقة المتجددة.

ويسلط التقرير الضوء أيضاً على عدم المساواة في انبعاثات الاحتباس الحراري في العالم، مشيراً إلى أن 10% من الأسر ذات أعلى نسبة انبعاثات للفرد تساهم بنسبة 34 -45% من الانبعاثات العالمية المرتبطة بالاستهلاك.

كذلك دعت "مادلين ضيوف سار" رئيسة مجموعة الدول الأقل نمواً التي تضم 46 دولة، إلى اتخاذ إجراءات سريعة بشأن إنشاء صندوق جديد لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع الخسائر والأضرار الناجمة عن المناخ.

وقالت "ضيوف سار": "نحن لا نفعل ما يكفي، والفقراء والضعفاء يتحملون وطأة فشلنا الجماعي في التحرك".