شكلت مطالب المفوضية الأوروبية، بإعادة صياغة قانون مكافحة الإرهاب التركي بما يتوافق مع مبادئ ومعايير الاتحاد الأوروبي، كشرط لإعفاء الأتراك من تأشيرة الشينغن، انسداداً كبيراً في أفق الاتفاق التركي الأوروبي لإعادة قبول اللاجئين، بشكل قد يكون كفيلاً بإلغاء العمل بالاتفاقية التي جاءت لتتوج جهود أشهر من العمل الدؤوب والتعاون بين الطرفين، بحسب ما ألمح مسؤولون أتراك.
ففي الوقت الذي تخوض فيه تركيا حرباً أمنية وعسكرية على تنظيم بي كا كا الإرهابي، منذ ما يقارب العام، في مدن جنوب شرق تركيا وشمال العراق، وتتعرض فيه إلى تهديدات استراتيجية نتيجة زحف تنظيم ب ي د الإرهابي، الجناح السوري لبي كا كا، إلى الحدود الجنوبية لتركيا، ترى أنقرة أنه من الصعب في هذه المرحلة الحساسة تقديم أي تنازلات قد تعيق أداءها العسكري والأمني والقضائي أمام كم التهديدات الأمنية التي تواجهها، خاصة إذا ما أضفنا إلى ذلك التعاون والتداخل في أعمال التنظيمات الإرهابية التي نجحت في التسلل إلى تركيا من الأراضي السورية.
الموقف التركي بدا واضحاً وحاسماً إلى أقصى درجة في أول ردة فعل على توصيات تقرير المفوضية، وقد جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له بعد يومين من نشر المفوضية تقريرها، حيث قال في كلمة له: "في الوقت الذي تتعرض فيه تركيا لهجمات من تنظيمات إرهابية في كل ناحية، يطلب منا الاتحاد الأوروبي أن نغير قانون مكافحة الإرهاب مقابل اتفاق التأشيرات". وأضاف مخاطبا قادة الاتحاد الأوروبي: "أنتم تتركون إرهابيين يبنون الخيام وتوفرون لهم فرصاً باسم الديمقراطية. وبعدها تقولون لنا 'إذا غيرتم هذا (قانون مكافحة الإرهاب) سنرفع عنكم التأشيرات'. آسف، أنتم في طريقكم ونحن في طريقنا".
الإصرار التركي على هذا الموقف، والذي كان واضحاً في اتساق تصريحات المسؤولين الأتراك ومنهم وزير شؤون الاتحاد الأوروبي، فولكان بوزكر، ترك الكرة في ملعب الاتحاد الأوروبي، الذي تعتبر تركيا أنه الطرف الأكثر حرصاً على نجاح واستمرار الاتفاق في هذه المرحلة. كما لوحت تركيا في غير مرة بإسقاط الاتفاق بشكل كلي في حال عدم تنفيذ شرط الشينغن، مما يعني السماح بإعادة تدفق اللاجئين من المياه التركية باتجاه حدود الاتحاد الأوروبي، كنتيجة حسمية لوقف التعاون بين الطرفين في ضبط الحدود وتمويل هذه العملية.
وعلى الرغم من إطراء الاتحاد الأوروبي على نجاح تركيا في تطبيق بنود اتفاق اللاجئين، والذي قال أن نتائجه في إيقاف تدفق اللاجئين إلى الإتحاد الأوروبي "فاقت التوقعات"، بدت أوروبا متصلبة هي الأخرى في موقفها إزاء الشروط التي وضعتها، حيث قال رئيس البرلمان الأوروبي، مارتين شولز أنه لم يعد يرى أي مستقبل لإعفاء الأتراك من التأشيرة في الموعد المقرر. المسألة أشعلت الجدل حول جودة الاتفاق وقدرة اوروبا على معالجة أزمة اللجوء التي تعد الأسوء منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما قد يقود بحسب مراقبين إلى مزيد من الصراع بين دول الاتحاد الأوروبي.
تركيا التي تبدو وكأنها قد ألقت كرة النار في قلب الاتحاد الأوروبي من جديد، وأعادت تصدير مشكلة اللاجئين إلى أوروبا، عبرت عن عدم اكتراثها بالدعم المالي الذي ستفقده في حال إنهاء الاتفاق، إذ تعتبر أنه لا يرقى إلى مستوى المطلوب أو مستوى الانفاق الذي تتكفل به الميزانية التركية ومؤسساتها الأهلية لإدارة شؤون اللاجئين.
في الوقت ذاته أشار الأكاديمي في الجامعة التركية الألمانية، أنس بايراكلي، في حديثه إلى ديلي صباح، إلى أن المطالب الأوروبية لتغيير قانون الإرهاب "غير عقلانية وتنضوي على إهانة لتركيا". وأضاف أن "أوروبا تسعى إلى إحداث تغييرات في تركيا، من خلال مطالب ذات أهداف سياسية" ضمن الاتفاق.
من جانبها، أكدت وزارة العدل التركية أنه ليس ثمة اتفاق واضح بين الدول الأوروبية على تعريف الإرهاب، مشيرة إلى أن هولندا لا تدرج قانونا خاصا بالجرائم الإرهابية في لوائحها وتكتفي بتوصيف الأعمال الإرهابية على أنها "جرائم بنوايا إرهابية". الأمر ذاته ينطبق على ألمانيا التي تحصر استخدام مصطلح الإرهاب في إطار "تشكيل منظمة إرهابية".
ومؤخراً، أكد مفوض الهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة في الاتحاد الأوروبي، ديميتريس افراموبولوس، خلال الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي التي عقدت مساء الأربعاء، في ستراسبورغ بفرنسا، أن أوروبا لا تملك أي خطة بديلة تتعلق بإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة شنغن.
وبكل تفاؤل أشار افراموبولوس المتحدث باسم المفوضية الأوروبية إلى أن المفوضية الأوروبية ستقوم بأداء مهمتها، وأنه سيتم تطبيق التقرير مهما حدث.
وقال أفراموبولوس أن "هذه الاتفاقية مفيدة لتركيا وللاتحاد الأوروبي، والتعاون بين الطرفين ضروري، وآمل من الهيئتين اللتين ستتخذان القرار المتعلق بالسفر بدون تأشيرة (مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي) أن تقوما باتخاذ قرار إيجابي وسريع".