في الطريق إلى الانتخابات المحلية التركية التي ستُجرى في نهاية مارس/آذار المقبل، كان من بين المسائل الأكثر أهمية معرفة هوية المرشح الذي سيُقدمه التحالف الحاكم بقيادة حزب "العدالة والتنمية" لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى.
وقد ظهر هذا المرشح وهو وزير البيئة والتخطيط العمراني السابق مراد قوروم. لأن انتخابات إسطنبول تجذب الاهتمام الداخلي بقدر أكبر من الولايات الأخرى بالنظر إلى الثقل الديمغرافي والاقتصادي للمدينة وتأثيرها القوي في ديناميكية السياسة الداخلية، فإن المنافسة على رئاسة البلدية الكبرى فيها تكتسب بُعداً سياسياً كبيراً يتجاوز في الواقع طبيعة الانتخابات المحلية. لذلك، يُمكن القول إن الشخصيتين البارزتين اللتين ستحظيان بقدر واسع من اهتمام الجمهور والأحزاب السياسية هما مراد قوروم ومرشح حزب "الشعب الجمهوري" المعارض ورئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو. كما أن اختيار قوروم لمنافسة إمام أوغلو قد يكون حاسماً في تحديد فرص حزب "العدالة والتنمية" لاستعادة السيطرة على رئاسة البلدية من المعارضة. بالطبع، لا يُمكن تجاهل المنافسة على رئاسة بلدية أنقرة أيضاً.
لكن فيما يتعلق بإسطنبول على وجه الخصوص، فإن المعركة الانتخابية فيها عادة ما تكتسب أهمية بارزة في السياسة الداخلية. ليس فقط بسبب الثقل الديمغرافي والاقتصادي لها، بل أيضاً بسبب أنها أولى محطات الرئيس رجب طيب أردوغان في الحياة السياسية، وكذلك بسبب أن حزب "الشعب الجمهوري" ومنذ فوز أكرم إمام أوغلو برئاسة البلدية قبل خمس سنوات، قدم فوزه بإسطنبول على أنه مقياس للزخم الجديد الذي اكتسبته المعارضة في السياسية الداخلية مقابل تراجع مكانة حزب "العدالة والتنمية" والرئيس رجب طيب أردوغان. حتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو/أيار الماضي، كان هذا المقياس يحظى بهامش من الواقعية. مع ذلك، أظهرت انتخابات مايو أن هذا المقياس، الذي يتركز على مقولة أردوغان الشهيرة بأن من يحكم إسطنبول يحكم تركيا، أن هذه المعادلة لا تتحقق بالضرورة عندما تُسيطر المعارضة على إسطنبول. مع ذلك، أكرم إمام أوغلو، الذي كان يأمل أن تقوده رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى إلى الترشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات مايو، لم يتخلى عن هذا الطموح. لذلك، فالمعركة الانتخابية المقبلة في إسطنبول تبرز أهميتها في أنها ستُحدد المستقبل السياسي لإمام أوغلو على وجه الخصوص.
من المعلوم أن أحد الأولويات الرئيسية لأردوغان في ولايته الرئاسية الجديدة الانتقام من خسارة الحزب الحاكم لإسطنبول في الانتخابات المحلية السابقة واستعادة السيطرة على المدينة. ولأجل ذلك، يحظى اختيار المرشح الذي سيقود هذه المهمة بكثير من الأهمية. هناك ثلاثة عوامل أساسية مؤثرة في عملية تحديد التحالف الحاكم لهوية المرشح وهي متداخلة فيما بينها ويُمكن حصرها بثلاثة عوامل: الأول، وهو الأكثر أهمية، يتمثل باستطلاعات الرأي والأبحاث التي أجراها الحزب الحاكم في مرحلة البحث عن المرشح لتحديد أي من المرشحين المحتملين يحظون بفرصة أكبر للفوز وقد رست هذه الاستطلاعات على قوروم. أما العامل الثاني، فيتمثل في قدرة المرشح على منافسة أكرم إمام أوغلو والتفوق عليه في مخاطبة شرائح الناخبين المتعددة. والعامل الثالث، يتمثل في الخلفية المهنية للمرشح وامتلاكه الخبرة الكافية في الشؤون المحلية لإسطنبول. لذلك، لا يبدو مفاجئاً أن يرسو اختيار التحالف الحاكم على وزير البيئة والتطوير العمراني السابق مراد كوروم.
علاوة على أن قوروم قادر على مخاطبة شرائح الناخبين المتعددة بالنظر إلى أنه من الجيل السياسي الشاب ويصغر أكرم إمام أوغلو بخمس سنوات، وهو ما يُساعده في استقطاب الناخبين الشباب الذين صوت غالبيتهم في الانتخابات المحلية السابقة لأكرم إمام أوغلو على حساب مرشح الحزب الحاكم حينها بن علي يلدريم الذي لم يتمكن من استقطاب الناخب الشاب بسبب كبر سنه ربما. كما أن قوروم، ورغم أنه يشغل حالياً منصب نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" في إسطنبول، إلآّ أنه لا يُعد من الشخصيات التي يطغى عليها الطابع السياسي بقدر أكبر من الطابع الخدماتي. كانت أبرز أسباب خسارة يلدريم أمام أكرم إمام أوغلو في الانتخابات السابقة أن الأول طغى عليه الطابع السياسي بقدر أكبر كونه تصدر المشهد السياسي لفترة في منصب رئيس الوزراء. يُضاف إلى ذلك، أن قوروم، وبالنظر إلى أنه شغل سابقاً منصب وزير البيئة والتطوير العمراني، فقد يُساعد اختياره كمرشح لرئاسة بلدية إسطنبول في تقديم نفسه كشخصية قادرة على التعامل مع التحدي الأكبر الذي يواجه إسطنبول في الوقت الراهن وهو مشروع التحول العمراني للتعامل مع مخاطر الزلزال الذي يُعد من أكثر التحديات التي تواجه إسطنبول. حقيقة أن قوروم شغل لفترة طويلة منصب المدير العام لشركة الإسكان العقارية الحكومية (توكي) وتحظى بسمعة طيبة بين الأتراك، تُعظم من فرص نجاحه في تقديم نفسه كمرشح قادر على التعامل بفعالية مع مشروع التطوير العمراني في إسطنبول.
بالرغم من أهمية العوامل الثلاثة المذكورة في تحديد هوية مرشح التحالف الحاكم لرئاسة بلدية إسطنبول، فإن التحالفات الحزبية ستلعب دوراً مهماً أيضاً في تحديد ديناميكية المنافسة الانتخابية. في حين أن التحالف الحاكم سيخوض انتخابات بلدية إسطنبول والبلديات الأخرى ضمن جبهة موحدة على غرار التحالف في انتخابات مايو الماضية، فإن نقطة الضعف الأساسية التي تواجه مرشح حزب "الشعب الجمهوري" أكرم إمام أوغلو تتمثل في أنه لن يكون مرشحاً عن تحالف جبهة المعارضة بالكامل. سيُقدم حزب "الجيد" ثاني أكبر أحزاب المعارضة مرشحاً خاصاً به عن إسطنبول. كما أن الأحزاب الصغيرة الأخرى التي كانت منضوية في تحالف المعارضة في انتخابات مايو لا تنوي دعم إمام أوغلو. لذلك، فإن الرهان الأساسي لحزب "الشعب الجمهوري" للفوز في انتخابات إسطنبول يقوم على التحالف مع حزب "الديمقراطية ومساواة الشعوب" الواجهة السياسية البلدية لحزب "الشعوب الديمقراطي" على أمل استقطاب الناخب الكردي الذي ساهم بشكل قوي في فوز إمام أوغلو في الانتخابات المحلية السابقة.