تعتقد جهات إقليمية فاعلة أن ما يعرقل جهود الحل الشامل للحرب الدائرة في قطاع غزة هي مجموعة من العقبات والتحديات أبرزها ما تتمسك به حكومة الحرب الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، لتبرير استمرار اندفاعها في المجزرة المستمرة في القطاع مع دخول الحرب شهرها الثالث، مع رغبة عارمة لإدارة جو بايدن بإنهاء الحرب تمهيداً للشروع في صفقات سياسية مهمة تطال خارطة النفوذ في الشرق الأوسط.
بالمقابل تعتبر حكومة الحرب في الكيان الإسرائيلي أن إيقاف الحرب من دون تفكيك البنية العسكرية لحركة حماس سيؤدي الى نتائج معاكسة لناحية إعلان حماس لانتصارها، وبالتالي استعادة قوتها العسكرية عبر الدعم الإيراني في السنوات المقبلة.
ما يعني بالنسبة لإسرائيل التحضير لحرب جديدة مستقبلاً ستكون أعنف وربما أكثر تهديداً لوجود إسرائيل، وهو ما يفترض وفق المنطق الإسرائيلي الاستمرار في المعارك حتى إنجاز المطلوب، وخاصة أن المطلوب عسكرياً الآن إنجاز معركة تدمير، رغم إقرار الاسرائيليين بأنها معركة صعبة وغير مضمونة النتائج.
بالتوازي فإن المسؤولين السياسيين والعسكريين في إسرائيل شرحوا لمستشار الامن القومي الأميركي جاك سوليفان أن إيقاف الحرب دون اتضاح الصورة حيال مستقبل غزة والضفة وطرق ادارتهما بالمستقبل وسط رفض إسرائيلي داخلي لأي نوع من أنواع "مشروع حل الدولتين" الذي باتت ترفضه غالبية الشارع الإسرائيلي، إضافة أن نتنياهو أشار خلال لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين أن اتفاق أوسلو أنتج منذ توقيعه الحروب والتفكك، وهو ما يعني أن لا عودة إليه.
والأكيد أن ابرز الأسباب التي تحول دون وقف حمام الدم المستمر في غزة مرتبط بحجم المأزق الداخلي والمحاسبة القاسية التي تنتظره، مع احتمال دخوله إلى السجن وانهاء كل تاريخه السياسي، فيما تُبدي الادارة الأميركية تفهمها لاستمرار اسرائيل في حربها الهمجية، وهي تستمر في تأمين الدعم المالي والعسكري لها.
قد تكون واشنطن تأمل أن ينجح نتنياهو بمهمة تفكيك حركة حماس التي ستعني سحب ورقة غزة من يد ايران وفق ما تعتقد وتبريد هذه الجبهة، ما يَصبّ في صالح التسوية الكبرى الجاري العمل عليها في الشرق الأوسط وعندها يصبح أكثر يسراً العمل على فك الارتباط الإيراني في سوريا وجنوب لبنان، لكن المشكلة أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تعمل على تهجير نهائي لفلسطينيي غزة ودفعهم الى صحراء سيناء، والأشَد خطراً نواياها لدفع فلسطينيي الضفة باتجاه الأردن وهو ما سيضع الاردن أمام مخاطر داخلية جمة لا يمكن تخيل تبعاتها.
من هنا أتى التسريب الأميركي عن إعطاء غزة لدور اقتصادي كبديل عن مشروع المقاومة، على أن يتولى هذا الإخراج فلسطينيون يحملون الجنسية الأميركية، حيث يجري تحضيرههم لإدخالهم من باب الاستثمار الاقتصادي، وفي الوقت الذي تعطي فيه واشنطن لإسرائيل الوقت الذي تطالب به، تقوم الإدارة في واشنطن بإعداد الأفكار المطروحة حول خارطة توزيع نفوذ سياسية جديدة، يترافق معها عمليات خاطفة عبر العسكر.
وعلى سبيل المثال ما يجري من صراع بالنار في البحر الأحمر هو أحد أدوات التفاوض بين واشنطن وطهران لتحديد نقاط توزيع النفوذ والمكاسب، على اعتبار أن الممرات المائية في التجارة العالمية تشكل مدخولا ماليا هائلا، تعمل إيران على تثبيت حضورها فيه من خلال رسائل استهداف السفن عبر جماعة الحوثي في اليمن.
ويبدو أن واشنطن تعول على التفاوض السري الجاري بينها وبين طهران عبر عمان وقطر، يتزامن مع جدولة انسحاب أميركي عسكري من العراق، والذي يترجم باستهداف مستمر للسفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد والذي يعتبر في إطار ترتيب الإخراج المطلوب، وهو ما سيعطي إيران أولوية ملء هذا الفراغ، وبالتالي تعزيز قبضتها على إدارة الحكم هناك، لا سيما أن السنة والأكراد غير قادرين على ملء هذا الفراغ العسكري الأميركي في حال حصوله، رغم سعيهم دائماً للتوازن مع إيران عبر أطراف إقليمية فاعلة في المنطقة.
أما سورياً فالصورة مختلفة حيث يجري خلق وترتيب إدارات محلية متفرقة تعطي الانطباع عن النظام السياسي الجديد الذي ينتظر سوريا، ما يُضعف التأثير الايراني، الذي تتركز قوته على مستوى السيطرة على قرار الدولة المركزية للنظام في دمشق، وتجربة إنشاء ادارة ذاتية في الجنوب السوري في السويداء التي تأخذ مسارها التطبيقي، مع ملاحظة انكفاء النظام السوري عن أية ردة فعل.
أما في الساحة اللبنانية فالتحضيرات بدأت لدمج الجنوب اللبناني في عملية مواكبة الحركة الإقليمية والدولية الجارية في المنطقة، مع ارتفاع وتيرة الحرب وتجاوز القصف لقواعد الاشتباك المتفق عليها وشمولها العمق اللبناني، بالتزامن مع الحركة التفاوضية في الكواليس السياسية، لذلك تسعى فرنسا بإيجاد مقعد لها في نقل الرسائل والسعي لترتيب الحلول.
وكذلك أعطت اللجنة الخماسية الدور الواسع لقطر التي سيعود موفدها جاسم آل ثاني باندفاع أقوى الشهر المقبل، متسلحاً بوحدة موقف بالكامل بين الدول الخمس (الولايات المتحدة وقطر وفرنسا ومصر والسعودية) على اعتبار أن الدوحة هي الاقدر بلعب هذا الدور بعد الموقف الفرنسي المنحاز لإسرائيل، حيث تسعى قطر وعقب انتهاء أزمة التمديد لقائد الجيش بالدفع نحو تحريك المياه الراكدة بالملف الرئاسي اللبناني.
وبموجب كل التحركات الدولية والداخلية في لبنان، سيكون بحاجة إلى سلوك مسار ترتيب الوضع وفق القرار الدولي 1701، بناء على طريقة تطبيقه في العام 2006، واعتماد نموذج لا يكون مزعجاً للقوى الدولية، خصوصاً أن الاتفاق سيكون مع الحزب وليس مع أحد آخر، طالما أن الدولة قد أصبحت على درجة عالية من الهشاشة وانعدام القدرة على اتخاذ القرار.
وهو ما سيرسخ وضعية الحزب في الحل الداخلي، ويبدو أن حزب الله لا يريد أن يُستدرج إلى حرب لا يريدها ولا يختار توقيتها. لذلك يجري حسابات دقيقة جداً، خصوصاً في ضوء الهجمة الدولية والدبلوماسية، ومن الفرنسيين والأميركيين بالتحديد، وهو لا يمكنه عدم مراعاة الوضعية الإيرانية في المنطقة، وسعي طهران إلى الحفاظ على خطوط مفتوحة مع كل القوى والأطراف الفاعلة.