سلطت الاشتباكات الأخيرة بين فلسطين وإسرائيل، والتي تميزت بهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تلاها من ردود أفعال، الضوء على الموقف المختلط لدول إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فكيف يمكن قراءة وتفسير المواقف المتحفظة لهذه الدول والتي لوحظت في الأسابيع الأخيرة، بين غياب الدعم لإسرائيل رغم محاولات تطبيع علاقاتها، ومدى الدعم التاريخي لفلسطين.
بعد الفتور الذي أدى إلى انهيار العلاقات الدبلوماسية بين دول منظمة الوحدة الأفريقية وإسرائيل في أعقاب حرب عام 1973، وبعد عدة محاولات لاستعادة تلك العلاقات، بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المصالحة مع العديد من الدول الأفريقية، وسعى إلى تنشيط عقيدة المحيط. وبرغم ذلك، فإن الاستثمار الملموس لإسرائيل في القارة لا يزال محدوداً. ومع الحديث عن التطبيع ولو بشكل متواضع، إلا أن النطاق الحقيقي لهذا التطبيع لا يزال بحاجة إلى تقييم، ما يؤكد مدى تعقيد الديناميكية الإسرائيلية الأفريقية. ويكمن السبب في الفجوة بين الشعارات والتطبيقات الملموسة، والتي بفضلها ظلت أفريقيا في مرتبة ثانوية للغاية بالنسبة للدبلوماسية الإسرائيلية.
وعندما مُنحت إسرائيل في يوليو/تموز 2021، وضع مراقب في الاتحاد الإفريقي بفضل دعم غانا، أصبحت حدود سياسة نتنياهو الأفريقية واضحة داخل الاتحاد، في حين أصبحت فلسطين عضواً مراقباً فيه عام 2012. وأثارت هذه التحركات احتجاجات قوية، لا سيما من دولتين مهمتين في القارة هما جنوب أفريقيا والجزائر. وأدت هذه الخلافات إلى تأخير الاعتماد النهائي لإسرائيل، إلى حد أنه في فبراير/شباط، تم طرد دبلوماسية إسرائيلية من الغرفة التي انعقدت فيها قمة الاتحاد الأفريقي، وتم تعليق وضعها كمراقب.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن غزالي عثماني رئيس جزر القمر والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، يعارض بشدة الاعتراف بدولة إسرائيل وبالتالي دخولها كمراقب.
وفي أغسطس/آب، أثناء افتتاح مسجد في جزيرة أنغوان/جزر القمر، وجه عثماني انتقادات لاذعة لإسرائيل.
وعلى نحو مماثل، فإن نظرة سريعة على تصويت الأمم المتحدة، تعطي فكرة واضحة عن مواقف الدول الأفريقية بشأن هذه المسألة. ففي عام 2017 صوتت معظم الدول الأفريقية ضد قرار الولايات المتحدة بفتح سفارة في القدس، خلال اجتماع طارئ للأمم المتحدة. وبعد مرور عام، عندما دعت الولايات المتحدة إلى إدانة حماس في أعقاب الهجمات الصاروخية من قطاع غزة، صوتت 7 دول فقط من أصل 54 لصالح القرار.
وفي عام 2012، كان التصويت على القرار 67/19 الذي يمنح فلسطين وضع مراقب غير عضو في الأمم المتحدة هو الذي كشف مدى ضآلة الدعم الذي يقدمه الأفارقة لإسرائيل، حيث صوتت 47 دولة أفريقية لصالح تبني القرار، بينما لم تصوت أي دولة ضده وامتنعت 4 دولٍ فقط عن التصويت.
وينطبق الشيء نفسه على حرب غزة عام 2009. فقد استشهد أكثر من 1400 فلسطيني نتيجة للعنف الذي ارتكبته القوات الإسرائيلية. وصوتت معظم الدول الأفريقية في الأمم المتحدة لصالح إنشاء لجنة تحقيق يرأسها قاضٍ من جنوب أفريقيا، في حين لم تصوت أي دولة ضد التحقيق فيما امتنعت 8 دول عن التصويت، وتغيبت 8. وتجدر الإشارة إلى أن ردود أفعال الدول الأفريقية على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل تختلف باختلاف تاريخها وعلاقاتها الثنائية واهتماماتها الداخلية. وهي تتأرجح في الأساس بين 3 أنواعٍ من ردود الفعل: إما الصمت أو الدعوة إلى وقف التصعيد والتي قد تتجه نحو إدانة إسرائيل، أو إدانة حماس.
ولم تسفر العلاقات الدبلوماسية الحالية عن أي نوعٍ من الدعم لإسرائيل.
وبشكل عام، فإن دول جنوب الصحراء الكبرى التي أعربت عن موقفها، اتبعت بشكل أساسي تصريحات الاتحاد الأفريقي التي ترفض وصف تصرفات حماس بأنها تهديد، وتروج لحل الدولتين باعتباره مخرجاً. ويعكس هذا الرد الفاتر العلاقة المعقدة بين إسرائيل والقارة الأفريقية. وفي حين أقام العديد من رؤساء الدول علاقات دبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل، فمن الصعب إظهار الدعم السياسي علناً، خاصة وأن المكاسب الانتخابية محدودة. وبالنسبة للعديد من البلدان، لم يكن هناك ما يمكن كسبه من التحدث علناً، خاصة وأن الرأي العام في هذه البلدان والذي غالباً ما يكون ضئيلاً جداً، لا يعرف سوى القليل عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
علاوةً على ذلك، فإن العديد من الدول تتعرض للتهديد من مجموعة متنوعة من المصادر، ما يجعل من الحكمة أن تحافظ تلك الدول على مسافة بعيدة عن القضية الفلسطينية.
ولم تختر العديد من الدول التعبير عن دعمٍ واضح لإسرائيل، مع أن معظمهم شركاء تاريخيون لإسرائيل مثل كينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزائير التي كانت من أوائل الدول التي أعادت العلاقات مع إسرائيل عام 1982، وقد أعلن رئيسها الحالي فيليكس تشيسكيدي عن افتتاح سفارة في تل أبيب مع قسم اقتصادي في القدس عام 2020، وتوغو ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل في القارة، ورواندا وأوغندا والكاميرون.
أما بالنسبة لكينيا، فهي حالة مثيرة للاهتمام، إذ اعتُبرت منذ فترة طويلة حليفاً موثوقاً لإسرائيل، وقد أدانت في البداية هجوم حماس قبل أن تسعى إلى إيجاد توازن دقيق بين الإدانة والدعوة إلى وقف التصعيد وتنفيذ حل الدولتين.
كما سعى معظم مؤيدي إسرائيل إلى موازنة تصريحاتهم بالدعوة إلى وقف التصعيد أو التفاوض. وفي أغلب الأحيان، لا يمكن فصل هذا البيان عن المخاوف ونقاط الضعف التي يعاني منها كل نظام، فالكاميرون مثلاً أعطت دعماً حذراً لإسرائيل في وقت كان فيه استقرار غرب أفريقيا يتزعزع بسبب الانقلابات. ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نستنتج بحق أن هناك مكاسب سياسية قليلة يمكن تحقيقها من الوقوف إلى جانب إسرائيل.
محايدون ولكنهم يقفون مع فلسطين
على الطرف الآخر من الطيف، وإذا استثنينا الدول التي لا تعترف بوجود إسرائيل مثل جيبوتي وجزر القمر والصومال ومالي والنيجر، فإن الدولة الأشد قسوةً في موقفها ضد إسرائيل هي جنوب أفريقيا. وهي تعارض بالفعل وضع إسرائيل كمراقب داخل الاتحاد الأفريقي، وتنتقد بشدة سياسة إسرائيل. وبعد أيام قليلة من هجوم حماس، شرح رئيس جنوب أفريقيا سيريل راما فوزا في بيانٍ مدروسٍ بعناية، تصرفات حماس فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مؤكداً على التزامه العميق بهذه الرؤية. ولا تزال الإشارة إلى الفصل العنصري حيةً في القارة، حيث تستخدمها موريتانيا أيضاً لانتقاد إسرائيل في أعقاب الهجوم.
خلاصة القول أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا تعاني بالفعل من صراعٍ عميق وعدم استقرار منذ عدة أشهر، ولن يؤدي صراع جديد في الشرق الأوسط إلا إلى تفاقم الوضع. وفي هذا السياق، يبدو أن خط الثبات الحذر الذي تتمسك به العديد من الدول الأفريقية، واستقرار موقف الاتحاد الأفريقي أكثر حكمة. ومن العدل التأكيد على أن القارة عادة ما تكون مؤيدة لفلسطين حتى لو كونت إسرائيل حلفاء جدد عبر تعاونها الأمني والاقتصادي معها.
بقلم: FAROUKOU MINTOIBA