المنعطف الخطير بمنطقة الشرق الأوسط بعد التطورات في غزة

مراد يشيلطاش
نشر في 03.11.2023 15:50
دخان يتصاعد خلال القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، فلسطين، 2-11-2023. صورة: AFP دخان يتصاعد خلال القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، فلسطين، 2-11-2023. (صورة: AFP)

مع استمرار إطلاق النار وغياب احتمالية وقف سريع له، تواجه المنطقة خطراً كبيراً يتمثل في التصعيد نحو صراع إقليمي شامل، بسبب خطاب إسرائيل العدواني وتكتيكاتها الحربية وسياساتها تجاه غزة

لا تزال العملية التي شنتها حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مستمرة، وتصحبها عمليات جوية وبرية إسرائيلية واسعة النطاق، وقد أكملت الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي نفذتها إسرائيل للتغلب على الصدمة التي شهدتها البلاد وإعادة تأسيس الردع العسكري والقضاء على حماس من خلال أسلوب العقاب الجماعي، يومها الرابع والعشرين.

إن الهدف الاستراتيجي الأساسي لإسرائيل هو احتلال غزة من خلال عمليات برية واسعة النطاق. لكن بحلول اليوم الرابع والعشرين من الحرب، هناك شكوك جدية حول تحقيق هذا الهدف. فالخسائر في صفوف المدنيين الناجمة عن القصف غير المتناسب على غزة وردود أفعال المجتمع الدولي واحتمال تطور الصراع إلى حرب إقليمية، تزيد من الضغوط على إسرائيل وتضعف تصميم تل أبيب على مواصلة العمليات العسكرية.

ورغم أن العمليات الإسرائيلية ضد غزة بشكل عام والعملية البرية على وجه الخصوص تبدو تكتيكية وقابلة للتنفيذ، فإن الطبيعة غير المتكافئة للصراع وتعقيداته قد تسفر عن نتائج استراتيجية ليس فقط لإسرائيل، بل للمنطقة بأكملها أيضاً. وبالنظر إلى يوم 7 أكتوبروالتطورات التي حدثت منذ ذلك الحين، يمكن إدراج الديناميكيات التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية للوضع الحالي على النحو التالي:

- تسببت العملية التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر في إحداث صدمة استراتيجية في إسرائيل، ما أدى إلى تقويض العقيدة الأمنية الإسرائيلية المبنية على الردع العسكري.

– تستخدم إسرائيل كافة الوسائل المتاحة للتغلب على هذه الصدمة الاستراتيجية.

– في الوضع الحالي، إسرائيل غير مهتمة بالعودة إلى الوضع الراهن في القضية الفلسطينية وما يتعلق بغزة، كما فعلت في السنوات السابقة.

– هدف إسرائيل الأول هو إرساء وضع قائم جديد لاستعادة قدرتها على الردع.

– تشمل أهداف إسرائيل قصيرة المدى الاحتلال الجزئي أو الشامل لغزة والقضاء على حماس وإقامة إدارة جديدة لمرحلة ما بعد الاحتلال.

– أما أهداف إسرائيل الإستراتيجية فتشمل تجريد غزة من سكانها وتهجير من بقي منهم إلى مصر.

– تحاول الحكومة الإسرائيلية إضفاء الشرعية على الحرب على أسس ثيوقراطية سياسية تهيمن عليها المرجعيات الدينية.

- اعتماداً على طريقة عمل إسرائيل، فإن احتمال تصعيد الصراع مرتفع جداً.

– بالرغم من أنه من غير المرجح أن تتوصل دول المنطقة إلى موقف مشترك على المدى القصير، إلا أن تغييرات جذرية في مواقف اللاعبين الرئيسيين قد تحدث اعتماداً على طول أمد الصراع وانتشاره.

– أدت الآثار المباشرة المحتملة للصراع إلى إنهاء التطبيع الإقليمي إلى حد كبير.

- إن العمليات العسكرية العدوانية التي تتبعها إسرائيل وأساليب العقاب الجماعي التي تنطوي على جرائم حرب قد تؤدي إلى عملية جديدة من التطرف، وخاصة في الشرق الأوسط، وقد تؤدي إلى اكتساب المنظمات المتطرفة المزيد من الأرض.

تصاعد الصراع

تشير كل هذه الديناميكيات إلى نشوء عدة سيناريوهات محتملة في الأسابيع المقبلة، أولها أن إسرائيل، في عمليتها البرية ضد غزة، لن تقتصر على القطاع الشمالي وستحاول احتلال قطاع غزة بأكمله.

وهذا البديل، الذي يقوم على سيطرة إسرائيل على القطاع الشمالي من غزة أولاً، قد يهدف إلى دفع بعض سكان غزة نحو مصر وإعادة بقية منطقة غزة تحت السيطرة الإسرائيلية بعد معارك مدن طويلة تتكبد فيها إسرائيل خسائر فادحة على جبهة غزة، في حين سيتم القضاء على احتمال قيام حماس والتشكيلات الفلسطينية الأخرى بالرد على إسرائيل، وفي هذا السيناريو من المرجح أن يتصاعد الصراع العسكري.

وفي حالة شن عملية برية، فمن المرجح أن يدور قتال منخفض الحدة في الضفة الغربية وعلى الجبهتين السورية واللبنانية. وقد يؤدي تصاعد الاشتباكات وسقوط ضحايا إلى استنفار الفلسطينيين في الضفة الغربية والفلسطينيين المقيمين في إسرائيل، وهم مواطنون إسرائيليون، وتوسيع نطاق الصراع داخل إسرائيل وانتشاره، ما يعني أيضاً زيادة الصراعات بين المجتمع الإسرائيلي والعرب الفلسطينيين، الذي من الممكن أن يقود إلى انتفاضة ثالثة.

كما أن استعداد حزب الله للانخراط في الصراع ضمن الديناميكيات الحالية قد يجعل الصراع متعدد الأطراف. ومع العملية البرية الإسرائيلية، من المحتمل أن تتغير الظروف الحالية للاشتباك العسكري على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، والتي تُعتبر حالياً منخفضة الحدة، ومشاركة حزب الله بشكل كامل في الحرب.

إن التصريحات المباشرة للمسؤولين الإيرانيين وخطاب قادة حزب الله، قد يُدخل الحزب بشكل مباشر في تعميق وتوسيع العملية البرية.

وبالنظر إلى أن إسرائيل زادت من انتشارها العسكري في المنطقة، فمن الواضح أنها استعدت بجدية لمواجهة هذا الاحتمال. ومنذ حرب 2006 والانتفاضات العربية، لوحظ أن حزب الله قد حسّن بشكل كبير قدرته كعنصر قوة غير متماثل، ولديه صواريخ بمدى وقدرات مختلفة، ولديه مخزون كبير من الطائرات المسيرة الانتحارية والأنظمة المضادة للدبابات، وباستطاعة عناصر حزب الله المحتشدة جنوب لبنان ومزارع شبعا ومرتفعات الجولان السورية، استخدام البنية الطبوغرافية للمنطقة لصالحها.

وبينما تواجه إسرائيل مقاومة حقيقية في غزة خلال العملية البرية، فإن مشاركة حزب الله في العملية بكل إمكاناته من المرجح أن يجبر إسرائيل على الخضوع عسكرياً.

وبصرف النظر عن الخسائر على الحدود اللبنانية، فإن القدرة الصاروخية لحزب الله قد تتجاوز العتبة الدفاعية للقبة الحديدية الإسرائيلية، وقد تحدث صواريخ الحزب أضراراً جسيمةً على المدن الإسرائيلية.

وعند هذه النقطة، ستواجه إسرائيل معضلة ما إذا كانت ستغزو جنوب لبنان من الأرض أم لا، في حين أن لبنان وسوريا، إذا ما وقعت هجمات من الجولان، يمكن أن يتعرضا لقصف مكثف من الجو، ما يلحق الضرر بالمدنيين والأبرياء والبنية التحتية العسكرية لهذه الدول. وفي هذه المرحلة، إذا لم تشارك الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب، فقد تضطر إسرائيل إلى وقف إطلاق النار.

والسيناريو الآخر هو تعبئة حزب الله والعناصر الوكيلة لإيران في العراق وسوريا واليمن وإشراكهم في الصراع، بالتزامن مع توسع العمليات البرية الإسرائيلية، وعندما ننظر إلى سلوك الجهات الفاعلة ذات الصلة حتى الآن، فإننا نجد أنها شاركت في العملية كقوة رادعة.

ومرة أخرى، حاولت الهياكل العسكرية التابعة لحركة "أنصار الله" (الحوثي) المتمركزة في اليمن شن هجوم صاروخي على إسرائيل عبر البحر الأحمر، لكن السفن الحربية الأمريكية في المنطقة منعت هذه الهجمات.

وقد تؤدي هذه الاشتباكات العسكرية المنخفضة الحدة، والتي ظهرت حتى الآن كاستعراض للقوة واختبار للردع بين الولايات المتحدة وإيران، إلى حالة صراع متعدد الجبهات إذا واصلت إسرائيل عملية الضغط على سكان غزة ودفعهم أولاً إلى جنوب القطاع، ثم إلى مصر، من خلال عملية برية.

وإذا اضطرت إسرائيل عسكرياً إلى الانخراط في جبهتين، فقد تشن الولايات المتحدة غارات جوية ضد حزب الله، وخاصة في سوريا، وفي مثل هذا الوضع، يبدو من المرجح أن تقوم إيران والجماعات التابعة لها بتعبئة القواعد الأمريكية في المنطقة، خاصة في العراق وسوريا، وشن هجمات ضد إسرائيل عبر سوريا.

وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 100 ألف عنصر عسكري تابع للحشد الشعبي في العراق، في حين يبلغ عدد الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في سوريا نحو 70 ألفاً، ويبدو أن هذه العناصر، التي تمتلك أيضاً معدات عسكرية خطيرة، لها تأثير رادع خطير من خلال عناصر قوتها غير المتماثلة.

حرب إقليمية

وفي مواجهة مثل هذه الدوامة من الصراع، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى إخلاء قواعدها العسكرية في العراق وسوريا. وبدلاً من ذلك، بالرغم من أنه أقل احتمالاً، يمكنها زيادة عدد قواتها ومحاولة تحصين العناصر الوكيلة لها، مثل واي بي جي/ بي كي كي، واستخدامها كمقاومة ضد الميليشيات الشيعية، وخاصة في سوريا.

وبالنظر إلى ارتباط هذه الميليشيات مع إيران، يبدو هذا الاحتمال بعيدا، وفي هذا السيناريو، يمكن توقع أن تقوم الولايات المتحدة بقصف جوي في لبنان والعراق وسوريا واليمن، ما يؤدي إلى ضربات كبيرة للاستقرار العسكري والسياسي والاقتصادي لهذه البلدان، وفي حين ستستمر إيران في دعم العناصر الوكيلة، فإن روسيا ستدعم هذه العناصر بشكل غير مباشر، ما يزيد من تقويض المصالح الأمريكية.

وفي الوضع الذي تبدأ فيه إسرائيل عملية برية، وينخرط حزب الله وغيره من وكلاء إيران في صراعات ضد الولايات المتحدة، فإن ذلك يثير احتمال المشاركة الإيرانية المباشرة في الحرب، ويمكن أن يتحقق هذا السيناريو إذا حملت الولايات المتحدة إيران المسؤولية عن وكلائها، وشنت غارات جوية ضد إيران، أو إذا قامت إيران بعمل عسكري مباشر ضد الأصول الإسرائيلية والأمريكية.

وسوف تواجه إيران معضلة إما تأييد القضاء على حماس في غزة وحزب الله في لبنان، أو التورط بشكل مباشر في الحرب، وفي مثل هذا السيناريو، ستشهد المنطقة بأكملها، بما في ذلك إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن وإسرائيل، حرباً خطيرة تشمل الدول ووكلائها، وإذا لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار على الفور، فإن احتمال نشوب حرب إقليمية سيكون كبيراً.

والخلاصة، إن خطاب إسرائيل عن الحرب وأساليبها الحربية في الصراع وسياسة الإبادة الجماعية التي تنتهجها تجاه غزة، تدفع المنطقة إلى فوضى شاملة ومليئة بالصراعات.