من يعيد للقدس اسمها ومكانتها

أكرم دميرلي
نشر في 27.10.2023 15:47
آخر تحديث في 27.10.2023 15:57

لا بد للعالم الإسلامي أن يُبقي الأهمية التاريخية للقدس حاضرة بالأذهان باعتبارها موطن المسجد الأقصى ثاني أقدس مكان للعبادة بعد مكة، وقبلة المسلمين الأولى

فالقدس هو اسم المدينة التي انقطعت فيها الصلة بينها وبين معنى اسمها بشكل كامل. وبدا من المستحيل ربط الأحداث التي تحدث هناك بروح المدينة، إذ لا يمكن للمرء أن يفهم مدى خطورة الطريقة التي تم بها تصوير كل هذه الأحداث على أنها قتال من أجل "أرض الميعاد" أو "الأرض الموعودة". ومن السخافة والغرابة أن يدعي القاتل أن قلبه مملوء بالحب للإنسانية، أو يظن أنه يقتل حباً فقط، أو يتظاهر بأن عمله أخلاقي.

وتعني كلمة "القدس" من الناحية اللغوية "المقدس" أو "الحرم المقدس" ما يدل على أن هذا المكان مطهر من الرغبات الجسدية وشغف السلطة والدوافع البربرية. وتسمى القدس أيضاً "دار السلام" لأنه توجد علاقة سببية بين القداسة والسلام.

وطالما أن البشر متمسكون بحبل الله يمكنهم أن يتجاوزوا حدود هذا العالم ويتخلصوا من الظلم والفساد، وطالما تم خلاصهم، تصبح أرضهم دار السلام. ومن أسماء الجنة في الإسلام "دار السلام". ومن هذا المنطلق فإن تسمية القدس دار السلام تعني تصور مدينة تشبه الجنة هنا على هذه الأرض فالجنة "دار السلام" والقدس جنة الأرض.

ويجب على المجتمعات الإسلامية أن تنشط ذاكرتها فيما يتعلق بالقدس، لأن الحضارة بدأت في مكة ثم أصبحت القدس ثاني أهم مركز للمسلمين. وبهذا المعنى، فإن القدس هي بمثابة فرع يمتد من مكة إلى البحر الأبيض المتوسط. ربما ليس جغرافياً، لكن القدس هي مكة الروحية للبحر الأبيض المتوسط. وأول من أنشأ العلاقة بين مكة والقدس هو النبي إبراهيم وهو الذي دل البشرية على طريق التحرير المتمثل في ترك تقليد الآباء والأجداد وعبادة الله الواحد وقطع الشهوات والعادات والغرائز الهمجية.

ولهذا السبب يتم الاعتراف بالإسلام واليهودية والمسيحية كأديان إبراهيمية لأنها تجتمع كلها حول هذه الأفكار الرئيسية. إن الأحداث التي تجري في هذه الأرض منذ القرن الماضي تجعلنا ننسى القداسة والسلام، ولكنها تذكرنا بما علمنا إياه الدين، وما تحدث عنه الأنبياء حول الجهاد والشهادة في سبيل الله التي تحقق رسالة إعمار الأرض في الدنيا ونيل الجنة بالآخرة.

وفي الواقع، الجميع يعرف كل ما يجري ولا توجد مشكلة "نقص المعرفة"، والجميع يعرف من هو على حق ومن هو على باطل، والكل يدرك لماذا تحدث الأمور بهذا الشكل. والجميع يرى ويفهم ويعرف ما يجري بشكل صحيح تماماً.

ويعتقد الشعب اليهودي، الذي تعرض للاضطهاد ذات يوم أثناء دفاعه عن عقيدته وتوحيده، أن بإمكانه حل المشكلات الناشئة في هويته الاجتماعية من خلال الانتقام من الآخرين لأنهم لا يقيّمون تجاربه بشكل صحيح.

ولا شك أن الظلم ينطوي على خطر عظيم، وهو ما نشهده اليوم. إن المضطهدين الذين يزعمون أنهم مظلومين تحولوا إلى ظالمين مع مرور الوقت حاولوا الهروب القمع الذي يعتقدون أنهم تعرضوا له من خلال قمع الآخرين. وفي هذا الصدد، فإن كونك مظلوماً لا يعني أن تكون على حق، أو على الأقل أن تظل على حق. وليست هناك حاجة لمناقشة أو إثبات ذلك. هناك قمع مستمر وحتى إبادة جماعية ترتكب الآن وليس هناك أي مبرر لذلك!

ونرى أيضاً أن المجتمعات أو الأفراد الذين يعانون من ظلم قائم على قضايا جوهرية لم يتم حلها، بغض النظر عن مدى تعليمهم أو قوتهم، لن يكتفوا بالانتقام، ولن يؤدي ذلك إلا إلى تحصين الفشل من خلال المزيد من القمع وسفك المزيد من الدماء. واليوم، يتعين علينا أن نشعر بألم العجز في مواجهة القسوة الشديدة، ومن الإنسانية أن نشعر بالحزن على هؤلاء الأطفال الذين قُتلوا. ويجب على الجميع على الأقل أن يعلنوا موقفهم بطريقة واضحة وأن يبتعدوا عن إذكاء نيران الشر، ويحاولوا إيجاد طريقة للحفاظ على الأرواح البشرية وحقن الدماء.

وبالرغم من أننا نشعر بالأسف الشديد تجاه شهداء المسلمين وخصوصاً المدنيين، إلا أننا نشعر بالراحة لأنهم أصحاب حق تمسكوا به ودافعوا عنه، ولم يكونوا أبداً ظالمين ولا قاتلين كما أنهم لم يفقدوا إنسانيتهم أبداً، على عكس مضطهديهم.