جهود تركيا لخلق إطار إقليمي لوقف الحرب في فلسطين

محمود علوش @@mahmoudallouch
اسطنبول
نشر في 17.10.2023 18:18
آخر تحديث في 17.10.2023 18:32
رجل يشارك في احتجاج بعد الضربات الإسرائيلية على غزة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل 16 أكتوبر 2023 رويترز رجل يشارك في احتجاج بعد الضربات الإسرائيلية على غزة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل 16 أكتوبر 2023 (رويترز)

منذ اليوم الأول للتصعيد الإسرائيلي ضد غزة، بدأت الدبلوماسية التركية نشاطاً واسعاً من أجل الحد من التصعيد العسكري وتجنيب المنطقة مخاطر حرب إقليمية.

ولهذه الغاية، أجرى الرئيس رجب طيب أردوغان محادثات هاتفية مكثفة مع العديد من زعماء العالم وأوفد وزير خارجيته هاكان فيدان إلى القاهرة. تُركز الجهود التركية حالياً على مسارين، الأول التوسط من أجل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المدنيين لدى حركة حماس كبادرة يُمكن أن تؤدي إلى خفض التصعيد وفرض وقف مؤقت لإطلاق النار، والثاني إيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.

بالتوازي مع ذلك، بدأت أنقرة تُظهر بقوة رفضها الشديد للهجمات الهمجية التي تشنتها إسرائيل على المدنيين في غزة ومحاولة تهجيرهم. مثل هذا الموقف، الذي ينبغي على جميع دول المنطقة تبنيه، ضروري لتحذير إسرائيل من أن علاقاتها مع المنطقة ستتضرر بشدة في حال واصلت تصعيدها العسكري. إن المغامرة التي يخوضها نتنياهو في غزة لن تُهدد فحسب بالتسبب بحمام دماء بين الفلسطينيين، بل تُخاطر أيضاً بإشعال النيران في المنطقة.

مع ذلك، من الواضح أن إصرار بنيامين نتنياهو على المضي قدماً في خططه العسكرية في قطاع غزة لا ينبع فقط من الضربة الكبيرة التي منيت بها إسرائيل جراء هجوم حماس في السابع من أكتوبر وتصدع عامل الردع الإسرائيلي، بل ينبع كذلك من حقيقة أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية منحت نتنياهو غطاءًا واسعاً لشن هذه الحرب دون الالتفات إلى عواقبها الهائلة على المدنيين وعلى الأمن والاستقرار الإقليمي. إن الإشارات التي تُرسلها واشنطن متضاربة للغاية ولا يُمكن فهمها تماماً. بينما أظهر الرئيس جو بايدن دعماًَ صريحاً لإسرائيل في هذه الحرب وأرسل حاملتي الطائرات الأمريكية إلى المتوسط وأوفد كلاً من وزيري خارجيته ودفاعه إلى تل أبيب لإظهار الدعم، يقول المسؤولون الأمريكيون إن الهدف من الحشود العسكرية الأمريكية في المنطقة ردع الأطراف الأخرى مثل إيران ووكلائها في المنطقة كحزب الله اللبناني عن الانخراط في الحرب. لكنّ هذا التناقض يزيد من الإرباك الإقليمي في التعاطي مع الحرب.

لقد تساءل الرئيس أردوغان عن الأسباب التي تدفع الإدارة الأمريكية إلى إرسال حاملات الطائرات في المنطقة ولم يتردد على الإطلاق في انتقاد الموقف الغربي الذي يصب الزيت على النار. لا نعلم بالضبط الاستراتيجية الأمريكية في التعاطي مع هذه الأزمة الخطيرة، وعلى الأرجح لا تمتلك إدارة بايدن تصوراً واضحاً لأن الخطوات التي تقوم بها مبنية على الاستجابة الطارئة لهذه الأحداث التي بدت مفاجئة للجميع. هناك بعض الفرضيات المثيرة للاهتمام وهي أن الولايات المتحدة تُريد الآن العودة بقوة إلى الشرق الأوسط من بوابة هذه الحرب وتسعى إلى إظهار أن حضورها القوي هو السبيل الوحيد لمنع انزلاق المنطقة في الفوضى. بمعزل عن مدى واقعية هذه الفرضية إلآّ أنها تؤكد حقيقة معاكسة وهي أن عقوداً من السياسات الأمريكية الفاشلة في منطقة الشرق الأوسط تدفع المنطقة اليوم إلى حافة فوضى واسعة النطاق. من غير المرجح أن أياً من حلفاء واشنطن في المنطقة باستثناء إسرائيل يعتقدون أن واشنطن قادرة بعد الآن على التصرف بمسؤولية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على وجه الخصوص. بالطريقة التي أدت فيها عقود من التساهل الأمريكي مع السياسات الإسرائيلية العدوانية تجاه الفلسطينيين إلى توفير الظروف الكاملة لهذه الحرب، فإن الدعم الأمريكي الغير مُقيد لإسرائيل الآن، لن يؤدي سوى إلى مفاقمة التداعيات الهائلة للحرب على الفلسطينيين وعلى المنطقة.

في ضوء ذلك، سيتعين على دول المنطقة أخذ زمام المبادرة والتعاون الجماعي من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للفلسطينيين في غزة ومعارضة الخطط الإسرائيلية لتهجير سكان القطاع وتشكيل موقف إقليمي متماسك يُعارض استمرار الحرب. إن دور تركيا في هذا السياق يقع في صلب الجهود الإقليمية. ومن شأن التعاون الإقليمي أن يضغط على الولايات المتحدة لتغيير نهجها في هذه الحرب والتصرف بمسؤولية. من الواضح أن واشنطن هي الطرف الوحيد القادر اليوم على ممارسة ضغط على نتنياهو للتهدئة، لكنّها لم تفعل ذلك حتى الآن وليس بوارد فعل ذلك في المستقبل المنظور. إن الارتدادات الكبيرة لهذه الحرب على الأمن والاستقرار الإقليمي تُحتم على القوى الفاعلة في المنطقة لا سيما تركيا والدول العربية خلق إطار إقليمي ضاغط على إسرائيل والولايات المتحدة. حقيقة أن روسيا التي تحاول الاستفادة من هذا الوضع، تتبنى موقفاً داعماً للتهدئة، تُساعد في تعزيز الموقف الإقليمي.

إن أكثر ما تحتاجه المنطقة اليوم هو الاستفادة من التجارب الطويلة من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من أجل تحويل الأزمة الخطيرة الحالية إلى فرصة لإعادة تعويم خيار السلام العادل والشامل الذي يفسح الطريق أمام الفلسطينيين للحصول على دولة مستقلة وفق ما تنص عليه القوانين الدولية. لقد فعلت السعودية الصواب بتجميد مساعي إبرام اتفاقية سلام مع إسرائيل ورهنه بوقف التصعيد الحالي والتوصل إلى السلام الشامل.