عن دبلوماسية القادة بين أردوغان والسيسي

محمود علوش @@mahmoudallouch
إسطنبول
نشر في 11.09.2023 09:18
أردوغان يلتقي نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في الهند الأناضول أردوغان يلتقي نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في الهند (الأناضول)

جاءت أحدث إشارة على التطور السريع في العلاقات الجديدة بين تركيا ومصر منذ إصلاح العلاقات من نيودلهي هذه المرة، عندما عقد الرئيسان رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي اجتماعاً على هامش قمة مجموعة العشرين.

مع أن اللقاء كان الثاني بين الرئيسين بعد الاجتماع السريع بينهما في الدوحة العام الماضي على هامش افتتاح المونديال، إلآّ أنّه أول اجتماع رفيع على مستوى الوفود بمشاركة الرئيسين والأول منذ إعادة تبادل السفراء في يوليو/تموز الماضي. لذلك، يكتسب أهمية كبيرة بأنه يُشكل انطلاقة فعلية قوية للحقبة الجديدة في العلاقات بعد المصالحة وفي كونه أيضاً دشّن دبلوماسية القادة التي سيكون لها دور قوي في نقل العلاقات من مرحلة المصالحة إلى مرحلة بناء الشراكات. في أعقاب الانتخابات التركية التي فاز بها الرئيس أردوغان بولاية رئاسية جديدة، كانت هناك توقّعات بقيام السيسي بزيارة إلى أنقرة، لكنّها لم تحصل وتردد أن مشاركة السيسي في القمة الروسية الإفريقية التي عُقدت في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية حالت دون إجراء الزيارة بسبب تزامن المواعيد فيما بينها. بعد اجتماع نيودلهي، أصبحت فرص حدوث زيارات متبادلة بين البلدين على مستوى الرؤساء أقوى.

من المهم أيضاً النظر إلى اجتماع نيودلهي على أنه جاء نتيجة ذاتية لإعادة البلدين مستوى التواصل الدبلوماسي بينهما إلى ما كان عليه قبل الأزمة التي امتدت لنحو عقد من الزمن. هذا يُشير إلى أن التفاعلات الجديدة بين تركيا ومصر في حقبة ما بعد المصالحة ستكون مثمرة بشكل أكبر وأقوى خصوصاً مع تفعيل دبلوماسية القادة. على غرار هذه الدبلوماسية التي لعبت دوراً قوياً في تشكيل الشراكات الجديدة الناشئة بين تركيا وبعض دول المنطقة مثل السعودية والإمارات، فستكون مُحفّزًا للديناميكية الجديدة في العلاقات التركية المصرية. هناك الكثير من الأمور التي سيتعين على أنقرة والقاهرة القيام بها في الحقبة الجديدة. إن النظر إلى المستقبل والاستفادة من الفرص الكبيرة المتاحة للبلدين في هذه المرحلة يُساعدانهما في مواكبة التحولات الإقليمية بشكل أفضل وتعويض الفرص الضائعة التي تسببت بها أزمة العقد. بالنظر إلى أن تداعيات الأزمة لا يُمكن التخلص منها بسرعة وتحتاج وقتاً أطول لإعادة ترميم الثقة، فإن التركيز على تنمية المجالات التي لم تتأثر بالأزمة مثل التعاون الاقتصادي والتجاري يُشكل أرضية مناسبة لحصد نتائج سريعة للمصالحة. لذلك، لم يكن مفاجئاً أن يُركز اجتماع نيودلهي بشكل أساسي على فرص التعاون في مجال الطاقة. إلى جانب الفوائد الاقتصادية التي تجنيها القاهرة من وراء تفعيل هذا المجال، فإن تركيا تسعى لإعادة إحياء التعاون مع القاهرة في مجالات الغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية.

في الواقع، لا تقتصر أهمية مشروع التعاون الثنائي في مجال الطاقة على الفوائد الاقتصادية المتبادلة المتصورة، بل تنسحب إلى العمل على تحفيز أنقرة والقاهرة على مواءمة مصالحهما في شرق البحر المتوسط على وجه الخصوص. سيكون لتعاون تركي مصري في هذا المجال تأثير إيجابي عموماً على الوضع الجيوسياسي في شرق البحر المتوسط ولا ينبغي النظر إليه بأي حال على أنه موجّه ضد أطراف ثالثة. علاوة على أن القاهرة ستعمل على موازنة مصالحها الجديدة مع تركيا في معادلة شرق المتوسط ومع اليونان وقبرص الجنوبية بشكل دقيق هذه المرة، فإن أنقرة لا تسعى وراء تعميق سياسات تشكيل المحاور لأنّها لم تؤدي في السنوات الماضية سوى إلى تعزيز حالة الاستقطاب الإقليمي في شرق المتوسط وقوضت على نحو كبير من فرص تحويل شرق المتوسط إلى منطقة استقرار وتعاون إقليمي بين مختلف الجهات الفاعلة خصوصاً في مجال الطاقة. ليست القاهرة وحدها عموماً من تنظر الآن إلى حاجة الانخراط في نهج إيجابي مع أنقرة في الشرق المتوسط. هناك إسرائيل أيضاً التي تسعى إلى الاستفادة من ميزة الشراكة مع تركيا في مجال الطاقة لتعزيز وضعها الجيوسياسي في شرق المتوسط.

إلى جانب المنافسة الجيوسياسية في شرق البحر المتوسط، تكتسب الحقبة الجديدة في العلاقات التركية المصرية أهمية على المستوى الإقليمي عموماً لا سيما الوضع في ليبيا. بالطريقة التي عملت فيها مخاطر التصادم بين تركيا ومصر في ليبيا في عام 2020 على دفع البلدين إلى العمل على تجنب هذا السيناريو والبحث عن سبل لتهدئة حدة التوتر وتضارب المصالح، فإن المصالحة اليوم تدفع باتجاه نقل السياسات التركية والمصرية في ليبيا من مرحلة التهدئة إلى مستوى مواءمة المصالح. ما يُميز السياسة التركية في تفاعلاتها مع الإقليم على وجه الخصوص أنّها تسير وفق نهج معادلة رابح رابح. بهذا المعنى، فإن تعاوناً تركيا مصريا في ليبيا سيعود المنفعة المتبادلة على الطرفين. هناك أرضية مشتركة تجمع البلدين في ليبيا وهي إنهاء الانقسام وإعادة توحيد مؤسسات الدولة وتشكيل جيش موحد قادر على التعامل مع التهديدات الأمنية التي تؤثر على الجوار الإقليمي ومنها مصر. كان لانخراط أنقرة والقاهرة في دعم جهود الأمم المتحدة لإنهاء الانقسام الليبي في الأعوام الأخيرة دوراً رئيسياً في تفعيل هذا المسار، لكنّه لم يصل إلى نهايته المطلوبة بعد، ما يجعل حل المعضلة الليبية أولوية في السياسات الجديدة لكل من تركيا ومصر في الفترة المقبلة.

من المعروف أن إعادة انتخاب أردوغان لولاية رئاسية جديدة شكّلت حافزاً جديداً لدول المنطقة للمضي في إقامة شراكات استراتيجية عميقة مع تركيا. السعودية والإمارات مثال على هذا التحول. كما أن مصر ترغب الآن في أن تكون جزءاً من هذه الشراكات. تعكس التحولات في العلاقات التركية المصرية عموماً الديناميكيات الإقليمية المتحولة منذ ثلاث سنوات.