بعد انتخابات مايو/أيار الماضي، أعرب الرئيس رجب طيب أردوغان عن تفاؤله بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وفي أعقاب قمة حلف شمال الأطلسي في فيلنيوس، أعطت تركيا الضوء الأخضر لطلب عضوية السويد، وقال أردوغان: "هناك نظرة إيجابية لتنشيط عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسنقوم أيضاً بتسريع المفاوضات لتحديث الاتحاد الجمركي، الذي سوف يكون له تأثير كبير على الاقتصاد التركي، ونحن على ثقة من أنه سيتم إحراز تقدم في تحرير التأشيرات أيضاً".
وبالرغم من أن السويد أعلنت دعمها لعضوية تركيا إلا أن تصريحات أردوغان لم تحظ بردٍ كبير من الاتحاد الأوروبي، بل أعرب بعض السياسيين الأوروبيين عن اعتراضهم على انضمام أنقرة، في الوقت الذي كانوا فيه مستمرين في تأجيج مشاعر كراهية الأجانب بين ناخبيهم.
ولم تخلق إيماءات حزب العدالة والتنمية الحاكم تجاه الاتحاد الأوروبي الحماس أو الأمل بين الشعب التركي، لأنه فقَدَ منذ زمن طويل الثقة في تحقيق هذه العملية المستمرة منذ عام 1960، وبالفعل فإن الأتراك محقون في شكهم هذا، فمن المستحيل على الحكومات غير المستقرة والضعيفة في الاتحاد الأوروبي والمعرضة للموجات القومية المتصاعدة، أن تدعم عضوية تركيا.
كما أن انعدام الرغبة والشعبوية لدى الحكومات التركية خاصة حتى عام 1980، لعبت دوراً مهماً في عدم تحقيق عضوية تركيا.
وهناك شرائح معينة في تركيا تشكك في أهمية الاتحاد الأوروبي، وتقيّمه بأنه بلا أساس على الإطلاق. وهم ليسوا مخطئين تماماً في وجهة نظرهم لأنهم يلاحظون تراجع أوروبا التي تفقد موطئ قدمها في التجارة العالمية والديناميكيات السياسية.
وإذا استمر المسار الحالي، فإن الاتحاد الأوروبي يخاطر بأن يصبح رمزاً قديماً، يطغى عليه الصراع على السلطة بين الصين والولايات المتحدة وروسيا.
الشيخوخة السكانية
لا شك أن إحدى أكبر المشاكل في الاتحاد الأوروبي هي شيخوخة السكان. فقد بلغ متوسط العمر في الاتحاد الأوروبي 44.4 عاماً، بينما يبلغ متوسط العمر التركي 32 عاماً فقط، ووفقاً للتوقعات السكانية، من المحتمل أن تصل تركيا إلى متوسط الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2080 فقط.
وللتغلب على هذه المشكلة، اعتمدت بعض دول الاتحاد الأوروبي طريقةً "انتقائية" لقبول المواطنين من اللاجئين السوريين والأفغان والأفارقة. ومع ذلك، تظهر مشاكل اندماج خطيرة مع هؤلاء الأفراد، كما يتضح من الانتفاضات الأخيرة في فرنسا ومدن أوروبية أخرى.
وفي الواقع، تقدم تركيا فرصة لا مثيل لها لحل هذه القضية الحيوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، كونها دولة ذات قدم واحدة في أوروبا، فإنها ليست غريبة على الثقافة والممارسات الأوروبية. وتتمتع كذلك بعلاقات تاريخية قوية مع القارة فضلاً عن أنها اكتسبت خبرة قيّمة من خلال سنوات من عمليات التفاوض والتنسيق مع مختلف مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وتنفيذ إصلاحات مهمة.
كما تلعب دول الاتحاد الأوروبي دوراً كبيراً فيما يتعلق بالتجارة الخارجية التركية.
وبالرغم من أن العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي بالنسبة لتركيا قد لا تكون هدفًا واقعياً على المدى القصير، إلا أنه يمكن التغلب على العديد من المشكلات من خلال ترتيباتٍ مثل تحرير التأشيرات وتوسيع الاتحاد الجمركي.
وينبغي على الأتراك التخلي عن عقلية الكل أو لا شيء، إذ يمكن للذين اندمجوا منهم بالفعل في الحياة الأوروبية وبيئات العمل، أن يجلبوا الديناميكية التي تحتاجها دول الاتحاد الأوروبي من خلال صيغٍ وسيطةٍ وبأقل تكلفة.
ومع الأسف لم يظهر السياسيون الأوروبيون الذين يعانون من قصر النظر الشجاعة لضم أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي إلى جانب أثينا، واستسلموا لجنون العظمة المتمثل في أن "تركيا ستبتلعنا". واليوم، يعمقون هذا الخطأ التاريخي بقبول دول بعيدة عن الثقافة الأوروبية في بلدانهم. وفي النهاية، سيدركون أن قبول تركيا هو الحل الأكثر منطقية، ولكن بحلول ذلك الوقت قد يكون الأوان قد فات.