لم تتمكن أحزاب المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، حتى الآن، من تحليل أسباب هزيمتها في انتخابات مايو/ أيار الماضي، ولم تتمكن كذلك من تقاسم المسؤولية عما حدث، وهو ما قاد إلى تفاقم أزمتها.
وإلى الآن تبدو المعارضة غير قادرة على التعافي من هزيمتها الانتخابية الأخيرة، التي ولّدت الأزمة الحالية التي توشك أن تتطور إلى دمار، فبعد تشكيل "تحالف كبير" قبل انتخابات مايو/ أيار 2023، تجد "طاولة الستة" صعوبة حتى في تحليل سبب خسارتها.
وبالنسبة لرئيسة حزب "الجيد" ميرال أكشنر فقد أدلت ببيان عام في إحدى الفعاليات المقامة في إسبارطة جاء فيه: "لا توجد طريقتان لقول ذلك. نعم لقد خسرنا. ولا يمكننا الحصول على نتائج أفضل من خلال الإدعاء بأن الشعب لم يدعمنا أو من خلال التشكيك بهذه الأمة العظيمة بطريقة غير محترمة".
ومن الممكن القول إن أكشنر بدت متقدمةً بخطوة على كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي يواجه دعوات استقالته، بادعائه أنه لم يخسر الانتخابات.
ومع ذلك، لم تحدد أكشنر أسباب هزيمة المعارضة ولا الأطراف المسؤولية عنها، على عكس كليتشدار أوغلو، الذي أجرى تقييماً "متواضعاً" ألقى فيه اللوم على القرويين لعدم الإدلاء بأصواتهم، في حين لم يقدم باقي شركاء "طاولة الستة" أي تفسير.
ومن الواضح أن أكشنر ألمحت إلى تذكير كليتشدار أوغلو بأنها أصرت على ترشيح من هو "قابل للانتخاب"، وهي تتجنب البوح علناً بهذا الموضوع، لأنه من السابق لأوانه أن يستبعد الشريك التنفيذي التعاون مع حزب الشعب الجمهوري في انتخابات البلدية العام المقبل.
لعبة اللوم بين الحزبين
صرح بعض برلمانيي حزب "الجيد" أن حركتهم حصلت على أصوات أقل مما كان متوقعاً في الأصل، بسبب شراكتهم مع حزب الشعب الجمهوري، في محاولةٍ لإلقاء اللوم على حزب المعارضة الرئيسي بشكل حصري.
وسيكون من المنطقي أن يزعم سياسيو حزب الشعب الجمهوري أن أكشنر كلفت كليتشدار أوغلو خسارة الانتخابات الرئاسية لأنها تركت "طاولة الستة" مؤقتاً، قبل أن تعود إليها، وكلتا الحالتين ستدفع أنصار حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، الذين يعارضون تحالفاً من أجل الانتخابات البلدية، بعيداً عن بعض.
ويبدو من غير المحتمل أن تقوم أحزاب المعارضة بتحليل هزيمتها الانتخابية بشكل صحيح وتتحمل مسؤولية ما حدث بشكل مشترك، وأي محاولة لإجراء "تحليل شامل" من شأنها أن ترقى إلى رمي الآخرين بالحجارة بالرغم من "العيش في منزل زجاجي"، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم أزمات المعارضة بالتأكيد.
لكن من المهم أن تدرك المعارضة أنها لن تكون قادرة على تهدئة غضب الناخبين في ظل غياب النقد الذاتي والتغيير.
وفي الوقت نفسه، فإن حزب "النصر" ورئيسه أوميت أوزداغ، يجعلان من الصعب أكثر فأكثر على "طاولة الستة" التمسك بـ "النقد غير المباشر" أو "الصمت الجزئي"، لقد اكتشف الشعب التركي بالفعل أن كليتشدار أوغلو قد عرض على السياسي اليميني المتطرف 3 مناصب وزارية إضافةً لمنصب رئيس جهاز المخابرات الوطنية، قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وأثار قرار أوزداغ بتسريب هذا البروتوكول السري، انعدام الثقة داخل حزب الشعب الجمهوري و"طاولة الستة" وكذلك ناخبي المعارضة، ومن خلال إجبار كليتشدار أوغلو على الاعتراف بما حدث، وجه أوزداغ ضربة قوية لزعيم المعارضة الرئيسي، بل وشرع رئيس حزب "النصر" بإطلاق وابل آخر من خلال الادعاء بأن أعضاء حزب الجيد لم يصوتوا لصالح كليتشدار أوغلو.
كليتشدار أوغلو قيد التدقيق في الاتهامات
وغني عن القول، أن كل عضو في "طاولة الستة" لديه الكثير من الأعذار التي يمكن أن تبرأ نفسه، ومع ذلك، تمتنع هذه الأحزاب وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي عن انتقاد بعضها علانية.
وعلى النقيض من ذلك، فإن أوزداغ الذي أجبر كليتشدار أوغلو على تقديم حجج يمينية متطرفة خلال الحملة الانتخابية، ما زال يصب ألسنة اللهب على المعارضة، فبعد تسريب صفقته السرية مع زعيم المعارضة الرئيسي، بدأ حالياً بتشجيع حزب الشعب الجمهوري وأعضاء حزب الجيد على إشعال لعبة اللوم، وهو ما يؤكد أن تصريحات أوزداغ العلنية تهدف لإضعاف "طاولة الستة" لدرجة جعلها غير قادرةٍ على توحيد قواها في انتخابات البلدية العام المقبل.
وفي ظل أزمة القيادة، لا يستطيع حزب الشعب الجمهوري ورئيسه تجنب إلقاء اللوم عليه، في هزيمة المعارضة في الانتخابات، ولا جدوى من مناشدة ضمير الأطراف الأخرى من خلال إبراز "المسؤولية المشتركة"، لأن كليتشدار أوغلو يتحمل وحده في النهاية، الجزء الأكبر من المسؤولية عن خسارة المعارضة من بين الآخرين، فهو الذي رفض اقتراحاً كانت المعارضة بموجبه ستصادق بشكل مشترك على ترشيح رئيسي بلديات إسطنبول أو أنقرة المرتبطين بحزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو ومنصور يواش، وبدلاً عن ذلك فرض ترشيح نفسه على المعارضة. وبهذا المعنى، عانى كليتشدار أوغلو من هزيمة ذات شقين: هزيمته كمرشح رئاسي وهزيمته كرئيسٍ لحزب الشعب الجمهوري.
ولو فاز زعيم المعارضة الرئيسي في انتخابات مايو/ أيار 2023، لكانت المعارضة قد أشادت به باعتباره "كمال الثاني في الجمهورية"، لكنهم اليوم يحاسبونه بشكل رئيسي على ما حدث، وهناك القليل فقط ممن يتبنى الدفاع عنه.