الصفقة التركية الغربية ودلالاتها

محمود علوش @@mahmoudallouch
إسطنبول
نشر في 12.07.2023 09:30
آخر تحديث في 12.07.2023 09:34
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمة الناتو في فيلنيوس، ليتوانيا 11 يوليو 2023 رويترز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمة الناتو في فيلنيوس، ليتوانيا 11 يوليو 2023 (رويترز)

نتيجتان واضحتان يُمكن استخلاصهما من الاتفاق الذي توصل إليه أردوغان مع السويد: الأولى أن إصلاح العلاقات التركية الغربية مُمكن عندما يُدرك الغرب الحاجة إلى إحداث تحول في السياسات تجاه أنقرة. والثانية أن أردوغان أظهر مُجدداً براعته الدبلوماسية في فرض مصالح بلاده على الغرب.

قبل وضع تركيا الفيتو على ضم فنلندا والسويد لحلف الناتو قبل نحو عام، كانت أنقرة تجد صعوبة في دفع الدول الغربية إلى تبني نهج مختلف معها إن على صعيد أخذ مخاوفها الأمنية تجاه التساهل الغربي مع التنظيمات الإرهابية والتعاون معها على محمل الجد، أو على صعيد التخلي عن السياسات قصيرة النظر فيما يتعلق بفرض حظر على تصدير الأسلحة ومحاولة معاقبتها على خياراتها الجيوسياسية وإبقائها واقفة تنتظر فتح أبواب الاتحاد الأوروبي. يُظهر رضوخ السويد والوعود الأوروبية في اتفاقية فيلينوس أن يد أنقرة أصبحت عموماً أقوى في إعادة تشكيل علاقاتها مع الغرب.

مثل هذه النتائج يُمكن أن تؤدي بالفعل إلى إحداث تغيير في مسار العلاقات التركية الغربية وإخراجها من الحلقة المفرغة التي دخلتها منذ سنوات. لكنّ الوصول إلى هذه المرحلة مرهون قبل كل شيء بتنفيذ البنود الواردة في اتفاقية فيلنيوس، لا سيما أن عامل فقدان الثقة بين الطرفين لا يزال قائماً. أقرب مثال على ذلك هو المذكرة الثلاثية التي أبرمتها تركيا مع فنلندا والسويد برعاية الناتو في يونيو/حزيران الماضي، حيث أن جانباً أساسياً من التزامات البلدين في المذكرة لم يتحقق حتى وقت قريب. مع ذلك، فإن ما يُميز اتفاقية فيلنيوس عن المذكرة الثلاثية هو أنها تناولت صراحة قضايا أخرى مهمة في العلاقات التركية الغربية مثل دفع عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وخلق آلية أمنية للتعاون المستقبلي بين تركيا والسويد بخصوص مكافحة الإرهاب، وتعيين الناتو مبعوثاً خاصاً لمكافحة الإرهاب. لذلك، يُمكن أن تتحول اتفاقية فيلينوس إلى خريطة طريق لإعادة إصلاح العلاقات التركية الغربية إذا صدقت النوايا الغربية هذه المرة.

بالطبع، يُدرك الرئيس رجب طيب أردوغان تماماً أن الدول الغربية قد تتراجع عن التزاماتها الجديدة تجاه تركيا. لذلك، بدا أنه أصر في اتفاقية فيلينوس على عدم تقديم موعد مُحدد للمصادقة على عضوية السويد في البرلمان التركي. عندما أبرمت أنقرة المذكرة الثلاثية، تركت هامشاً لها للتراجع إذا لم تفِ الأطراف الأخرى بالتزاماتها وهذا ما حصل بالفعل. رغم أن الصفقة الجديدة بين تركيا والسويد تتناول بشكل أوسع إطار العلاقات التركية الغربية، إنما يبنغي توخي الحذر في تقييم مآلاتها. فهي تبدو أقرب إلى إعلان نوايا، إذ تضمنت تعهدات متبادلة من الجانبين لكنّها خلت من جدول زمني واضح لإتمام ملف العضوية. وتبدو صيغة اتفاقية فيلنيوس مناسبة لتركيا على غرار صيغة المذكرة الثلاثية لأنها تترك لها هامشاً لاتخاذ قرار مختلف في حال وجدت أن الغرب يُماطل في تنفيذ وعوده الجديدة.

بالنظر إلى تجربة المذكرة الثلاثية التي بدت لحظة توقيعها أنها أنهت الفيتو التركي على عضوية فنلندا والسويد في الناتو، فإن الصفقة الجديدة لن تكون ناجحة سوى في اللحظة التي يُصادق فيها برلمان تركيا على عضوية السويد. كانت المؤشرات في اتفاقية فيلنيوس مشجعة للغاية، لكن العبرة في الخواتيم. كما أن الشيطان يكمن في التفاصيل. وهذا الشيطان عادة ما يجد مساحة أوسع للحركة في العلاقات التركية الغربية. لقد أثبتت تركيا مرّة أخرى أنها شريك صادق إذا احترم الشركاء مصالحها وأصغوا لمخاوفها.

تركيا بحاجة لتكريس توازنها بين الشرق والغرب

على هامش اتفاقية فيلنيوس وزيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتركيا، أثيرت بعض التساؤلات عن دوافع تحركات السياسة الخارجية التركية وما إذا كانت أنقرة بدأت تميل أكثر نحو الغرب. أرى أن مثل هذه التقييمات مبالغ فيها. التعاون العسكري مع أوكرانيا قائم منذ سنوات ومرتبط بمصالح تركيا الجيوسياسية في البحر الأسود وهو جزء من التوازن مع روسيا. أما عضوية السويد، فإذا نجحت اتفاقية فيلنيوس فستُعزز موقف تركيا في العلاقة مع الغرب ولا تعني التخلي عن الاستقلال الاستراتيجي الذي يقع في صلب عقيدة أردوغان في السياسة الخارجية.

تركيا بحاجة لتكريس توازنها بين الشرق والغرب وحيادها الإيجابي في الحرب الروسية الأوكرانية. وهذا التوازن لا يتحقق بتعميق الشراكة مع روسيا والإبقاء على التوترات مع الغرب. لذلك تتحرك أنقرة لتهدئة هذه التوترات وليس للميل صوب الغرب من منظور جيوسياسي. ولفهم أهداف التحركات الخارجية التركية حالياً، علينا الأخذ بعين الاعتبار أن أنقرة تُدير هذه السياسة من منظور مصالحها الوطنية أولاً، ومن منظور هويتها الجيوسياسية كجزء من حلف الناتو ثانياً.