في إشارة إلى عمليات أنقرة لمكافحة الإرهاب التي تستهدف تنظيم "بي كي كي" الإرهابي شمال العراق، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو في 21 يوليو/تموز، إن تركيا لا تستهدف المدنيين أبداً، بل تستهدف فقط التنظيم الإرهابي. وتهدف تصريحاته إلى مواجهة الاتهامات الفورية للمسؤولين العراقيين الذين ألقوا باللوم على تركيا في الهجوم الذي أسفر عن مقتل 8 مدنيين وإصابة 23 آخرين في محافظة دهوك العراقية في 20 يوليو/تموز.
وفي الساعات التي أعقبت الحادث، أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً رفضت الاتهامات الموجهة لتركيا، وحثت السلطات العراقية على الامتناع عن الإدلاء بتصريحات متأثرة بدعاية تنظيم بي كي كي المشؤوم في المنطقة وتستهدف أنقرة. وأكد البيان بوضوح أن "تركيا مستعدة لاتخاذ جميع الخطوات لكشف الحقيقة".
وجاء الهجوم الدموي الذي قالت مصادر أمنية إنه نُفّذ من قبل التنظيم الإرهابي في المنطقة، بعد فترة وجيزة من القمة الثلاثية في طهران، حيث عقد الرئيس رجب طيب أردوغان اجتماعات مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة عدة قضايا منها سوريا والعلاقات الثنائية وقضية الحبوب وتطورات أخرى في أوكرانيا، كما التقى أردوغان خلال زيارته بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الذي سلطت وسائل الإعلام الضوء على تصريحاته حول العملية التركية المحتملة شمال سوريا، ضد إرهابيي واي بي جي الذراع السوري لتنظيم بي كي كي الإرهابي.
وخلال المؤتمر الصحافي صرحت تركيا إنه يجب القضاء على إرهابيي واي بي جي شمال سوريا، المدعومين من الولايات المتحدة في منبج وتل رفعت. كما شددت أنقرة على أهمية القضاء على التهديد الإرهابي لسيادة تركيا وتوسيع المنطقة الآمنة إلى عمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية وتسهيل العودة الآمنة والطوعية للمدنيين السوريين إلى بلادهم.
ولا تعد سياسة إيران تجاه سوريا والهادفة إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة، من سوريا إلى اليمن والعراق أجندة سرية، بل كان موقفها متوقعاً من معارضة العمليات التركية الفعالة في سوريا ضد إرهابيي واي بي جي.
ونُقل عن خامنئي قوله إن عملية عسكرية جديدة ستكون "بالتأكيد على حساب سوريا وتركيا والمنطقة، ولن يتحقق العمل السياسي المتوقع من الحكومة السورية نتيجة لذلك".
ورد أردوغان بحزم بشأن مواجهة تركيا الحتمية للإرهاب على طول حدودها الجنوبية:"لا ترى تركيا فرقاً بين المنظمات الإرهابية مثل داعش أو بي كي كي/ ي ب ك/ واي بي جي، نحن نرفض منطق استخدام أحدهما كوكيل لمحاربة الآخر، وسوف تستمر معركتنا ضد التنظيمات الإرهابية بشكل دائم دون الاهتمام بالمكان الذي تعمل فيه ومن يدعمها، نحن مصممون على استئصال الجماعات الخبيثة التي تهدد أمننا القومي انطلاقاً من سوريا، ونتوقع من روسيا وإيران أن تدعما مساعي تركيا لهذا الغرض بصفتهما ضامنتين لاتفاق أستانا".
ومن الواضح أن إيران وتركيا تقفان ضد الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، وأن وحدة أراضي سوريا نقطة أخرى تتفق عليها الأطراف الثلاثة تركيا وإيران وروسيا.
ومع ذلك، فإن مشكلة تحديد الجماعات الإرهابية وتصنيفها لا تزال تشكل عقبة أمام وجود نهج قوي وموحد للقضاء على الإرهاب القادم من سوريا والتقدم نحو استقرار البلاد، أما الاختلاف الواضح حول المستقبل السياسي لسوريا وقضية الأسد فهي قضية أخرى تختلف فيها الأطراف بشدة مع بعضها حيث يقف المحور الإيراني الروسي مقابل تركيا.
لكن موسكو منشغلة بعض الشيء، بسبب الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ومع ذلك، فهي لا تريد أن تفقد وضعها الراهن في سوريا وخصوصاً أمام مساعي إيران لزيادة نفوذها في البلاد بالنظر إلى ذلك على أنه فرصة.
وقد اتضح على خلفية قمة طهران أن عمليات تركيا الفعالة شمال العراق وسوريا، غير مرحب بها بدليل وصول رسالة إيران من خلال المرشد الأعلى والذي يعدّ مؤشر قوي على ذلك، وبالتالي هو مؤشر أيضاً على نفوذها المتزايد في المنطقة حيث حذر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تركيا بعد هجوم دهوك مباشرةً، من أن العراق يحتفظ بـ "حق الرد"، واصفاً نيران المدفعية بـ "انتهاك صارخ" للسيادة.
وقد ردد الرئيس الاتحادي وحكومة إقليم كردستان صدى إدانة خادمي الفورية.وسارعت وسائل الإعلام الدولية أيضاً إلى وصف الهجوم بأنه "هجوم تركي" بالرغم من عدم وجود دليل واضح. إنما الشيء الوحيد الواضح، هو أن الهجوم لا يخدم عمليات أنقرة العسكرية لمكافحة الإرهاب والأهداف السياسية في المنطقة، بل إن مثل هذا الهجوم الاستفزازي وإلقاء اللوم فيه على تركيا، يمكن أن يخدم بشكل فعال أغراض الآخرين الذين أزعجتهم عمليات تركيا ضد بي كي كي/ واي بي جي.
وإذا كان الهدف هو العثور على الجناة والمسؤولين عن الخسائر في أرواح المدنيين، فيجب أن تؤخذ دعوة أنقرة الفورية لإجراء تحقيق مشترك بعين الاعتبار بشكل جاد، إذ لا يمكن الكشف عن الحقيقة وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة إلا من خلال تحقيق مشترك وشفاف.
وسواء كان الإرهاب في سوريا أو العراق أو تركيا أو إيران، فإن تفشيه لا يفيد الاستقرار المدني أو السياسي أو الاقتصادي في المنطقة. ويجب مواجهته والتصدي له بكافة أشكاله ابتداءً من ميليشيات واي بي جي المدعومة من الولايات المتحدة إلى أذرعٍ أخرى لتنظيم بي كي كي الإرهابي، من قبل لاعبين أقوياء في المنطقة من أجل الاستقرار والازدهار على المدى الطويل بما يخدم مصلحة الناس، وليس مصلحة من لديهم أجندات إمبريالية.