تخطو تركيا وإفريقيا خطوات حازمة نحو الأمام في العلاقات الثنائية بينهما، من خلال التعاون القائم على الثقة المتبادلة والاستراتيجيات المشتركة.
وتتنامى نظرة تركيا لإفريقيا في كل عام يمر، باعتبارها قادرة على النمو والانتاج واستثمار طاقاتها بنفسها. ومؤخراً اختتمت في إسطنبول قمة الشراكة التركية الإفريقية الثالثة، بغداء عمل جمع رؤساء الدول والحكومات المشاركة. وأظهر الحدث الذي جسّد "شراكة معززة من أجل التنمية والازدهار"، المستوى الاستثنائي الذي وصلت إليه علاقة تركيا بالقارة السمراء، حيث تطورت مبادرة إفريقيا التي بدأت عام 2005 واكتسبت زخماً بعد 4 سنوات، إلى شراكة استراتيجية مبنية على التعاون وتعميق أواصر الثقة.
ومنذ تصنيف الاتحاد الإفريقي لتركيا "كشريك استراتيجي" قبل 13 عام، افتتحت أنقرة 43 سفارة تركية و19 ملحقاً عسكرياً في القارة الإفريقية. وجدولت الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى 61 وجهة هناك، بينما تمتلك وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" 22 مكتباً في عدد من دول القارة. كذلك تدير مؤسسة وقف المعارف التركي 175 مدرسة في 26 دولة إفريقية، وتوفر رئاسة أتراك المهجر والمجتمعات ذات الصلة، منحاً دراسية لأكثر من 5000 طالب، بالإضافة إلى الاستثمارات المتزايدة باستمرار لمجتمع الأعمال التركي في إفريقيا.
وجاء حصاد الرئيس رجب طيب أردوغان في قصر دولما بهجة في إسطنبول خلال عطلة نهاية الأسبوع، لثمار رحلاته إلى 30 دولة إفريقية، والتي يوليها أهمية خاصة، إذ استعرض القادة خططهم الخمسية ضمن حضور كبير أظهر قوة الثقة والتعاون المتبادلين في القمة التي شارك فيها 102 وزير إفريقي بينهم 26 وزير خارجية، و16 رئيس دولة أو حكومة.
فما هي رؤية تركيا البديلة للدول الإفريقية؟
ارتبط اسم قارة إفريقيا في الماضي بالفقر والحروب الأهلية والهجرة، لكنها أصبحت في القرن الحادي والعشرين واحدة من مناطق العالم الصاعدة، حيث تضم 7 من أصل 10 اقتصادات هي الأسرع نمواً في العالم. ويستأثر هذا التطور باهتمام كبير من الدول الكبرى، إذ تتمتع الصين وروسيا وأعضاء الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم فرنسا، والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والهند بحضور قوي في إفريقيا إلى جانب تركيا. ومع ذلك، فإن رؤية تركيا لإفريقيا تمثل "بديلاً" عن الممارسات الحالية للقوى الاستعمارية السابقة والجديدة.
فالدول الغربية متهمة بالتمسك بأساليبها الاستعمارية القديمة. وعلى سبيل المثال، لا تستطيع فرنسا التخلص من استغلالها المخزي والاستمرار بنهب ثروات القارة. وفي الوقت ذاته، يحذر الخبراء من أن الصين تنصب "فخ الديون" باسم التنمية الاقتصادية. كما يُعد دور روسيا "الأمني" مصدر قلق بسبب توسع مجموعة فاغنر في إفريقيا. أما رؤية تركيا، التي نشأت من المساعدات الإنسانية، فإنها ترتكز بقوة على مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة و"الفوز معاً"، لذلك نجدها تجذب المزيد والمزيد من الاهتمام.
وتعكس هذه الرؤية التزام تركيا برؤية إفريقيا من منظور إفريقي بحت يهدف إلى تعزيز التنمية المتبادلة بالدرجة الأولى. لقد وصلت الشراكة التركية الإفريقية بالفعل إلى مجالات رئيسية مثل البنية التحتية والزراعة والرعاية الصحية والاتصالات والدفاع. كما شملت نقل التكنولوجيا وتحديث الجيوش الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأداء المذهل للمسيرات الطائرة المسلحة في ليبيا وسوريا وإقليم قره باغ، انتزع بالفعل إعجاب القادة الأفارقة حيث قامت حكومتا إثيوبيا وأنغولا بالإضافة إلى المغرب وتونس، بشراء طائرات مسيّرة تركية.
ولكن ما هو الدور الذي تلعبه تركيا في إفريقيا على صعيد التنمية والأمن؟
في هذا الصدد، تلعب تركيا دوراً نشطاً في إفريقيا من منظور التنمية الاقتصادية والأمن والمساعدة الإنسانية والصداقة الثقافية. وفي الوقت نفسه، تعتزم تركيا زيادة حجم تجارتها مع القارة من 25 مليار دولار إلى 50 مليار دولار، وربما 75 مليار دولار خلال السنوات المقبلة. ومع الأخذ في الاعتبار أن حجم التجارة الإفريقية يصل إلى 190 مليار دولار مع الصين و50 مليار دولار مع ألمانيا، يتضح أن هناك العديد من الخطوات التي لا يزال يتعين على شراكة تركيا مع الدول الإفريقية اتخاذها. وغني عن القول إن تركيا بحاجة إلى القيام باستثمارات جديدة وهامة في رأس مال القارة البشري، مثل تدريب الخبراء الأكاديميين من أجل تطوير استراتيجيات مختلفة لكل دولة.
وفي مقابلة مع أمينة أردوغان السيدة الأولى في تركيا، بخصوص كتابها الجديد عن إفريقيا، أتيحت لي الفرصة لمعرفة المزيد عن رؤيتها للقارة السمراء من وجهة نظرها كأم وكامرأة، حيث ظلت بعض عباراتها محفورة في ذاكرتي: "لا يمكنك أن تكون عادلاً ما لم تنظر إلى البشرية نظرتك إلى عائلتك". "قلوب الأمهات تنبض بإيقاع عالمي". وأخيراً: "نحن نرى إنجازات إفريقيا ورخاءها باعتبارها إنجازاتنا ورخاءنا. إن علاقاتنا مع إفريقيا تمنح تاريخ العالم مثالاً جميلاً للإنسانية".