بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان في 17 أكتوبر/تشرين الأول زيارته لثلاث دول في إفريقيا. وبعد محطته الأولى في أنغولا، زار الرئيس توغو ثم توجه إلى نيجيريا في المحطة الأخيرة من رحلته. وتناولت وسائل الإعلام التركية والغربية زيارة أردوغان على نطاق واسع، وانتقدت العديد من وسائل الإعلام الغربية وبعض الصحفيين الأتراك هذه الزيارة. وتركزت الانتقادات على إلقاء اللوم على الرئيس داخلياً لقيامه بزيارة غير ضرورية خلال "أزمة اقتصادية عميقة"، واتهامات غربية له باختطاف القارة من الغرب.
وسواء كان المنتقدون من الداخل التركي أو من الغرب المعارض لسياسات أردوغان، فإنهم يشتركون معاً بمعارضتهم لهذه الزيارة، لما لها من آثار إيجابية على كل من الحكومة التركية والدول الأفريقية.
ومن ناحية أخرى، يعرف النقاد جيداً أن هذه الزيارات توفر فرصاً لتركيا، مما يسمح لها بالتصرف بشكل مستقل. كما تساهم بشكل كبير في تطوير الاقتصاد التركي وتنويع السياسة الخارجية التركية. وبعبارة أخرى، تعزز "دبلوماسية القيادة" التي يتبناها أردوغان، دور تركيا المستقل الرئيسي في السياسة الدولية. فمنذ أن بدأت تركيا "مبادرتها الإفريقية" الشاملة عام 2005، زار أردوغان أكثر من 30 دولة أفريقية. وبزيارته الأخيرة، أصبح أردوغان الزعيم السياسي صاحب عدد الزيارات الأكثر للقارة الأفريقية.
وكذلك، فإن مصالح تركيا في الشؤون الإفريقية تعطي الأولوية للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي وتقرير المصير لدول القارة السمراء. ولطالما شدد أردوغان على أن النظام الدولي يحتاج إلى إصلاح شامل من شأنه أن يوفر الشمولية والكفاءة والتمثيل والحوكمة. وبعكس الدول الغربية، يؤكد خطاب أردوغان السياسي على إفريقيا أكثر استقلالاً وتطوراً.
سياسة تركيا تجاه إفريقيا
هناك العديد من المبادئ الهامة التي تحدد السياسة الخارجية التركية تجاه القارة الأفريقية. أولها أن تركيا على عكس العديد من القوى الاستعمارية العالمية والتقليدية، لا تفضل علاقة هرمية استعمارية مع الدول الأفريقية. وبدلاً من ذلك، تحاول تركيا تحسين علاقاتها مع تلك الدول على أساس مبدأ الشراكة المتكافئة.
ثانياً، تحاول تركيا تشجيع الدول الأفريقية على المطالبة بإصلاح النظام العالمي وزيادة الوعي حول النظام القاري الاستغلالي الحالي. لهذا السبب، طالبت تركيا ولا تزال بدعم الدول الإفريقية لإنهاء حكم الدول الاستعمارية مثل فرنسا وبالتالي الإطاحة بالنظام الاستعماري في القارة.
كما تعمل تركيا على أن تكون صوت الدول الإفريقية في المنصات العالمية مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين. بدليل ما جاء في إعلان أردوغان في البرلمان الأنغولي، أن تركيا تطلب من الدول الأفريقية التعاون والتوحد ضد النظام الدولي الظالم الذي تهيمن عليه قوى معينة فقط.
ثالثاً، تسعى تركيا لكسر طوق الأخبار المضللة ومنع احتكار المعلومات والحقائق الذي تمارسه بعض الدول الاستعمارية في القارة. فبالرغم من زيادة عدد السفارات التركية إلى 43 سفارة وارتفاع عدد السفارات الإفريقية في تركيا إلى 37، لا تزال وسائل الإعلام الغربية والوكالات الجديدة تهيمن على القارة. وقد بدأت وسائل الإعلام التركية مثل وكالة أنباء الأناضول والإذاعة الحكومية TRT في زيادة فروعها في إفريقيا لتوفير المعلومات والأنباء الحيادية. ومن المؤمل أن تساهم مصادر المعلومات البديلة في توطيد الثقة المتبادلة بين تركيا والدول الأفريقية.
علاوة على ذلك، قامت العديد من المؤسسات التركية التي تولي أهمية كبيرة لإفريقيا، بزيادة أنشطتها في جميع أنحاء القارة وبالتالي تحسين صورة تركيا. ومن بين أمور أخرى، تقدم الخطوط الجوية التركية رحلات إلى 60 وجهة مختلفة عبر 39 دولة إفريقية، ويوجد لدى الوكالة التركية للتعاون الدولي والتنمية "تيكا"، حوالي 30 مركزاً للتنسيق في إفريقيا.
أنماط السياسة الثلاث في إفريقيا
تتبع القوى الخارجية بشكل عام، ثلاثة أنماط تقليدية للسياسة تجاه القارة الإفريقية وهي: التسلسل الهرمي أو الاستعماري، والمنفعة المتبادلة أو الشراكة المتساوية، والمساعدة المجانية. ويعتبر النمط الأول الذي تفضله القوى الاستعمارية مثل فرنسا ودول أوروبية أخرى، أسلوباً استغلالياً بالكامل. وعلى مدى قرون طويلة استغلت الدول الغربية المستعمرة القارة الأفريقية وسخّرتها لمصالحها الخاصة.
والنمط الثاني الذي تفضله بعض الدول مثل تركيا، يعتمد على استراتيجية الربح لكافة الأطراف. ولهذا ركزت تركيا على فرص الاستثمار وتعزيز التجارة الثنائية وبناء البنية التحتية وتحسين الإنتاج الزراعي، وكل ذلك من شأنه أن يساهم في بناء قدرات الدولة. ووفقاً لهذه العلاقة الأفقية، فإن جميع الأطراف ذات الصلة يمكنها تطوير مصالح قائمة على المنفعة المتبادلة.
أما النمط الثالث فتتبعه بعض الدول التي تقدم مساعدات إنسانية وتنموية للدول الإفريقية. وفي هذا المضمار تُعد تركيا بمؤسساتها الحكومية ومنظماتها المدنية، من أكبر المساهمين في المساعدات المجانية للدول الإفريقية مثل الصومال.
وبذلك فإن تركيا تتبع سياسة تجمع بين الأسلوبين الثاني والثالث من السياسة. فقد تبنت نهجاً شاملاً في علاقاتها مع الدول الأفريقية، حيث تجمع بين قوتها الناعمة عن طريق المساعدات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية والتجارة، والقوة الصلبة من خلال صناعة الدفاع ومبيعات الأسلحة.
وستواصل تركيا تحسين علاقاتها مع إفريقيا في جميع القطاعات سواء كانت اقتصادية أو تجارية أو دفاعية أو زراعية أو سياحية أو مكافحة الإرهاب. وبغرض تعميق التعاون التركي الأفريقي، تستضيف إسطنبول كلاً من المنتدى الاقتصادي والتجاري الثالث في أكتوبر/تشرين الأول، وقمة الشراكة التركية الإفريقية الثالثة في ديسمبر/كانون الأول.