لا تشترك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في نفس وجهات النظر بشأن أفغانستان. وتحتاج أوروبا مع ظهور أزمة أفغانستان الأخيرة، إلى مزيد من التخطيط المستقل والتنفيذ لنهج سياستها الخارجية حيث يمثل الوضع المستجد في البلاد التي أنهكتها الحرب، اختباراً هاماً لقدرات الاتحاد الأوروبي على صياغة وتنفيذ سياسة خارجية واستراتيجية دفاعية مستقلة دون مساعدة وتوجيهات من الولايات المتحدة.
ويتعرض القادة الأوروبيون لضغوط للتخفيف من العواقب الوخيمة لاستيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان على المدى القصير. لكنهم على المدى المتوسط والطويل، يتعين عليهم اتخاذ خيارات استراتيجية أكثر أهمية قد يكون لها عواقب أوسع على العلاقات الجيوسياسية عبر الأطلسي.
وبسبب المسافة الجغرافية الشاسعة التي تفصلهم عن أفغانستان، يشعر زعماء أوروبا بضغوط أقل بشأن أزمات البلاد الحالية من تلك الموجودة في سوريا والبلقان وشمال إفريقيا. ومع ذلك، إذا استمرت الاضطرابات في أفغانستان وبدأت تتصاعد، فمن المتوقع أن تواجه القارة العجوز الآلاف من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين على حدودها.
وقد يؤدي هذا الأمر إلى إعادة تشكيل السياسات المحلية للعديد من الدول الأوروبية وتقوية اليمين المتطرف، بما في ذلك السياسيون والأحزاب المعادية للأجانب فضلاً عن تنامي الخوف من الإسلام. وقد يكون تدفق المتطرفين والاتجار غير المشروع بالمخدرات نتيجةً غير مباشرة لحالة عدم اليقين التي تكتنف المشهد الأفغاني.
فما هي أهم تحديات السياسة الخارجية الأوروبية؟
تحتاج الحالة الأفغانية إلى مزيد من التمحيص الدقيق فيما يتعلق بمعايير حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق النساء والأطفال. الأمر الذي يعتبر في حدّ ذاته حالة اختبار لمبادئ وممارسات السياسة الخارجية المعيارية المتعلقة بحقوق الإنسان في أوروبا. وهناك حركة دبلوماسية متزايدة في بروكسل لإقرار خطة جديدة للتعامل مع الأزمة في أفغانستان.
فهل سيؤكد القادة الأوروبيون على المبادئ الإنسانية وأجندة حقوق الإنسان؟ أم سيتصرفون بشكل أكثر براغماتية ويقبلون بنظام طالبان من أجل الاستقرار؟
وهل سيتبع القادة الأوروبيون استراتيجية سياسة خارجية مستقلة؟ أم سيقفزون إلى عربة واشنطن؟
وهل سيتعاونون وينسقون سياساتهم مع دول الجوار مثل إيران وباكستان وطاجيكستان؟
وهل سيتبعون سياسة استقرار وسلام طويلة الأمد وشاملة؟ أم سيركّزون بقصر نظر على الأمن فقط؟
في الواقع تتطلب الإجابات على هذه الأسئلة اختيارات استراتيجية أكثر تحديداً والتي ستساعد بدورها في تشكيل أحجار الزاوية لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي في أفغانستان.
وتظهر العلامات المبكرة لهذه المناقشات أنه لا يوجد حتى الآن توافق في الآراء حول هذه القضايا. فعلى سبيل المثال، خلال المناقشة الأخيرة بين وزراء الخارجية حول الهجرة غير النظامية وإعادة توطين الأفغان في أوروبا، انتقد وزير خارجية لوكسمبورغ "جان اسيلبورن" زملائه الألمان والنمساويين والسلوفينيين بالقول إن "دعم الأشخاص المعرضين لخطر مميت يجب أن يكون أولويةً بدلاً من تأمين الحدود وتنظيم العودة إلى الوطن".
وفي المناقشة المتعلقة بالتعاون عبر الأطلسي، سلّط رئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشيل" الضوء على أهمية التعاون مع الناتو وشدد على تزايد أهمية تطوير الحكم الذاتي الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي.
كما قال وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس" إن "قرارات الناتو تُتخذ في الواقع في واشنطن. وليس لدى حلف شمال الأطلسي في بروكسل أي فرصة لإبداء الرأي، بل إن دوره يقتصر فقط على تفعيلها". داعياً إلى تعزيز الركيزة الأوروبية لحلف شمال الأطلسي.
وهناك أيضاً إجماع عام بين صنّاع القرار الأوروبيين للعمل بشكل وثيق مع البلدان المجاورة لأفغانستان والتعاون بشكل أكثر فاعلية مع تركيا بشأن هذه القضية. ويدعم القادة الأوروبيون بقوة فكرة إدارة تركيا لمطار كابل حامد كرزاي الدولي.
ومع ذلك، لا تزال المناقشات جارية بين الدول الأوروبية، حول الاعتراف بطالبان كحاكم شرعي لأفغانستان أو الانتظار لبعض الوقت. وهناك ميل عام لاتباع سياسة الانتظار والترقب بدلاً من الاعتراف بالسياسة والانخراط فيها إذ يرغب قادة أوروبا في رؤية ممارسات طالبان في مجال حقوق المرأة وحقوق الطفل وإطار أوسع لحقوق الإنسان.
وأنا أرى أن القادة الأوروبيين قد تأخروا في تعاملهم مع طالبان، لأنهم بتفضيلهم الانتظار، قد يفقدون نفوذاً كبيراً في أفغانستان، لكن هذا يعني أيضاً أنهم يغضون الطرف عن سجل حقوق الإنسان الخاص بحركة طالبان.
والسؤال هنا هو هل لأوروبا وجهة نظر مختلفة عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بأفغانستان؟
على عكس الرأي العام الأمريكي، لا يعتبر الجمهور الأوروبي انسحاب الناتو من أفغانستان هزيمة. بل هو راضٍ عن إنهاء عملية الناتو في أفغانستان وعودة القوات المسلحة الأوروبية إلى ديارهم.
ومن المعروف أن الجمهور الأوروبي لم يكن متحمساً على الإطلاق لعملية الناتو هناك واحتلال أفغانستان. ولهذا شعر عدد محدود فقط من الأوروبيين بالإحباط من عمليات إجلاء قوات الناتو من أفغانستان. لكنهم بدلاً عن ذلك قلقون جداً بشأن تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
ويتم حالياً من أجل إيجاد حل مستدام للأزمة في أفغانستان، الضغط على القادة الأوروبيين لصياغة خطة استراتيجية أكثر اتساقاً. وقد تكون سياسة المعونة التنموية وجهود بناء السلام طويلة الأجل والمستدامة والمنسقة، بمثابة سياسة أكثر فاعلية في أفغانستان.
ومع ذلك، لا أحد في أوروبا يرغب في الالتزام باستراتيجية طويلة المدى مع أفغانستان، لأن القادة الأوروبيين يجمعون على دعم وتمويل جيران أفغانستان مثل باكستان وإيران وأوزبكستان بناءً على شروط معينة، بالرغم من أن مثل هذه السياسة قد تثير بعض الانتقادات من واشنطن ولكنها قد تعمل على تلبية أولويات أوروبا.
لماذا يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى سياسة مستقلة؟
تعتبر مشاكل التنسيق والتعاون الحالية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية قضية هامة قد يكون لها تداعيات أوسع وأطول أجلاً. وفي خطابه حول إستراتيجية السياسة الخارجية، وعد جو بايدن بمزيد من التعاون والتنسيق الوثيق في العلاقات عبر الأطلسي، لكن هذا الخطاب لم ينتج عنه نتائج عملية لأوروبا. وفي الواقع، لم تكن الأجزاء الأولى من رئاسة بايدن مختلفة كثيراً من الناحية العملية عن رئاسة ترامب.
ويشعر العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين رفيعي المستوى بالإحباط من تراخي واشنطن في تنسيق قضية أفغانستان مع الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر بعض دبلوماسييه أن سوء إدارة كارثة أفغانستان بمثابة جرس تحذير للقادة الأوروبيين فيما يتعلق بمستقبل التعاون الأمني عبر الأطلسي. ويتحدث معظمهم صراحةً وخصوصاً ميشيل وماس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن الحاجة إلى تخطيط وتنفيذ السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بشكل أكثر استقلالية.
وخلال العقدين الماضيين، وجد القادة الأوروبيون طرقاً لتهدئة العديد من الأزمات الكبيرة، بما في ذلك الأزمة المالية العالمية عام 2008، والأزمة الإنسانية والهجرة السورية عامي 2014-2015، وأزمة كوفيد-19 الأخيرة. وتستحق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خصوصاً الكثير من التقدير لإدارتها تلك الأزمات بنجاح نسبي.
لكنهم كانوا أقل نجاحاً في التعامل مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم أو التعامل مع داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، بما في ذلك اليمين المتطرف والنازيون الجدد. وبشكل عام، كانت القيادة الأمريكية وجهود ميركل المخلصة حاسمة في التغلب على الأزمات الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية الكبرى في العقدين الماضيين. أما في الحالات التي فشل فيها شركاء التحالف عبر الأطلسي في التنسيق والتعاون، فكان ملف إدارة الأزمات فيها أقل فعالية.
واليوم وبعد أن خرجت ميركل من المعادلة السياسية الأوروبية وأصبحت واشنطن أقل اهتماماً وأقل التزاماً بخدمة المصالح الأمنية للشركاء الأوروبيين، هناك حاجة ملحة لخطة سياسية جديدة للاتحاد الأوروبي، وهي وإن كانت تعد أولوية لكن الأهمية الحاسمة للأزمة الأفغانية طغت عليها.
وبالرغم من أن الطريقة التي ستتعامل بها بروكسل مع الأزمة الأفغانية الحالية لن تكون واضحة ومحسومة في المدى المنظور، لكنها قد تعطي فكرة أفضل عن المسارات الأوروبية الجديدة في الأمن والسياسة الخارجية.