بالرغم من تنوع معالم الطبيعة الذي يورث جمالاً أخاذاً على امتداد التراب التركي إلا أن بعض المناطق التركية تعدّ للأسف نشطة بالزلازل أكثر من غيرها إلى حد ما. وتتزايد فيها احتمالات وقوع الهزات الأرضية الصغيرة والكبيرة في أوقات مختلفة من العام، كما حدث مؤخراً عندما ضرب زلزال عنيف ولاية إزمير الغربية بعد ظهر يوم الجمعة، بقوة 6.6 درجة وتبعه إعصار بحري جزئي اجتاح عدداً من مدن العطلات الجميلة على ساحل بحر إيجة.
وكانت تركيا قد شهدت في يناير من هذا العام، زلزالاً أعنف من الزلزال الأخير تعرضت له ولاية إيلازيغ شرق الأناضول وبلغت قوته 6.5-6.7 درجة، أسفر عن مقتل 40 شخصاً. وفي عام 1999 دمر زلزال بقوة 7.6 درجة مدينة إزميت الواقعة على بعد 70 كيلومتراً فقط جنوب شرق إسطنبول، مما أدى إلى مقتل أكثر من 17.000 شخص.
ويعتقد الخبراء أن مدينة إسطنبول التي يزيد عدد سكانها عن 15.5 مليون نسمة، قد تشهد هزةً أرضية كبيرةً نظراً لقربها من خط صدع شمال الأناضول، الذي يمتد من جنوب إسطنبول مباشرة على طول الطريق إلى شمال شرق تركيا. وبحسب الدراسات فإن الجانب الأوروبي من المدينة مرشح لأن يكون هو الأكثر تضرراً. وخلال العقد الماضي بذلت الحكومة التركية جهوداً كبيرةً لإعادة بناء كل المباني التي تم تصنيفها على أنها "ليست آمنة" وذلك بهدف تحمل "الزلزال الكبير" الذي يعتقد الخبراء أنه في حال حدوثه سيكون بقوة 7 درجات أو أكثر. وليست مدينة إسطنبول هي المنطقة الوحيدة المعرضة لاحتمال كهذا بل هناك ولايات مثل إزمير وموغلا وجناق قلعة وباليكسير وكوجالي وغيرها والتي تقع أيضاً على مسافة 1500 كيلومتر من خطوط الصدع النشطة.
فإذا قدر لنا أن نعيش في منطقة نشطة زلزالياً مثل تركيا، فإن الاستعداد المناسب للزلازل قد يعني الفرق بين الحياة والموت، لذا يتعين علينا تعلم الإجراءات الضرورية والاحتياطات اللازمة كي نستعد بهدوء للطوارئ المحتملة. ويعرفنا هذا المقال على تلك المعلومات الضرورية بشكل واقعي ومفيد وعلى الخطوات البسيطة التي يمكن اتخاذها لضمان السلامة قدر الإمكان في حالة وقوع هزة أرضية.
بدايةً يجب المحافظة على الهاتف المحمول مشحوناً. حيث تم إنقاذ العديد من الضحايا من تحت الأنقاض في زلزال إزمير لأنهم تمكنوا بطريقة ما من الاتصال بالسلطات لإبلاغها بمواقعهم. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون المصباح اليدوي الموجود في الهواتف مفيداً أيضاً في حالات الطوارئ. وبالتالي من الضروري الاحتفاظ بالهواتف الجوالة مشحونةً ويمكن الوصول إليها بسهولة قدر الإمكان.
كما يعد إنشاء منطقة الأمان الخاصة في المنزل أو مكان العمل إجراءً ضرورياً إذ كان الاعتقاد السائد سابقاً أن المداخل والسلالم هي أكثر المناطق أماناً في المبنى، لكن الدراسات الحديثة نقضت هذا الاعتقاد وأوصت بإنشاء منطقة آمنة بجوار قطع أثاث متينة مثل طاولة أو أريكة أو سرير لتخفيف سقوط حجارة ثقيلة محتملة من السقف أو القباب أو الأسطح الزجاجية. ولا يُنصح بالاقتراب من النوافذ أو الواجهات الزجاجية، بل تعتبر المناطق المحيطة بالمباني بما في ذلك الجدران الخارجية، من أخطر الأماكن على من يتواجد فيها. ومن الممارسات المنصوح بها أيضاً الاحتماء تحت أرفف كتب أو أي أثاث ممتد بعيداً عن الجدران لتقليل مخاطر سقوط الفواصل الإنشائية أو قطع منها.
كذلك ينصح في الحالات الطارئة وجود حقيبة طوارئ معدة مسبقاً. ولعله من الحكمة أيضاً وجود حقيبة ظهرٍ جاهزة تحتوي مصباحاً يدوياً وبطارياتٍ احتياطية وماء ووجبات خفيفة غير قابلة للتلف وملابس إضافية ونسخ من الهوية الشخصية وحقيبة إسعافات أولية وكل الأدوية الضرورية. كما يفضل التأكد من وجود أحذية مريحة جاهزة تحت التصرف قبل النوم تحسباً لزلزال قد يقع ليلاً.
وفيما يتعلق بتحديد سلامة المنزل، فقد أنشأ المجلس الاستشاري للكوارث والطوارئ التركي "أفاد"، خريطة توضح المناطق المعرضة لخطر الزلازل في تركيا. ومن خلال موقع "الحكومة الإلكترونية"، يمكن للمرء التحري حول المخاطر التي ينطوي عليها العيش في كل مناطق البلاد، كما يمكن طلب شهادة أمان ضد الزلازل من ملّاك العقارات أو من البلديات المحلية.
ومن الممارسات الجيدة في حال الطوارئ أو في حالة وقوع زلزال خطير، تعيين منطقة معينة للقاء الأصدقاء والعائلة. ويجب أن تكون هذه البقعة في الهواء الطلق وأن تكون فوق مستوى سطح البحر وموقعها مثالي بالقرب من المنزل أو مكان العمل. ويتمتع العديد من الأحياء السكنية والشركات وأماكن العمل في تركيا بمناطق التقاء محددة، ويمكن سؤال الإداريين المحليين عن هذه النقاط. ومن الإجراءات المنتظمة في تركيا أيضاً خروج الناس إلى الهواء الطلق بعد وقوع زلزال ما، ويختار الكثيرون قضاء الليل في الحدائق إذا استعدوا ببعض العتاد أو الخيام مسبقاً.
ولكن ما هي الخطوات الضرورية الواجب اتخاذها في حالة حدوث زلزال؟
القاعدة الأولى والأكثر أهمية في حالة وقوع زلزال هي التزام الهدوء ومحاولة ضبط النفس وعدم الذعر. ويتمثل ذلك بعدم القيام بأية تحركات كبيرة كالاقتراب من النوافذ أو الشرفات أو استخدام المصعد. كما تقتضي الحكمة الانتظار والتريث لبعض الوقت عندما يتجه الكثير من الناس إلى السلالم بدافع الذعر، وذلك كي لا نتكبد المزيد من الأضرار الناتجة عن التدافع أو السقوط.
ولا يحبذ في هذه الحالة إجراء أية مكالمات هاتفية ما لم تكن هناك ضرورة قصوى، بل يجب الاتصال برقم الشرطة 155 أو الإسعاف 112 أو الإطفاء 110 إذا دعت الحاجة لذلك. لأن محاولة الاتصال بالأهل والأصدقاء في المناطق المنكوبة بالزلزال يمكن أن يعطل خطوط الهاتف ويضغط على الشبكة بشكل يؤدي إلى تعطيل المكالمات الهاتفية المنقذة لحياة المحاصرين تحت الانقاض. ويمكن الاستعاضة عن الإتصال الهاتفي بإرسال الرسائل النصية للإطمئنان على سلامة الناس المتواجدين في المناطق المتضررة. ويوجد حديثاً تطبيقات يتم تحميلها على الهواتف الذكية تتيح إرسال رسائل نصية إلى المتواجدين حول مكان شخص ما، مثل تطبيق جمعية البحث والإنقاذ " AKUT" الذي يرسل عبارة "أنا آمن" أو الاتصال بالآخرين عبر البلوتوث باستخدام تطبيقات مثل "Bridgefy".
ومن التوصيات الهامة أيضاً عدم إشعال اللهب. إذ يعتقد بعض الناس أن استخدام الولاعة مفيداً للإنارة أو للتدفئة، لكن الواقع أن مثل هذا الفعل قد يكون خطيراً جداً، لأن الزلازل الكبيرة تدمر عادةً خطوط الغاز وبالتالي فإن أي مصدر للنار يمكن أن يكون كارثياً. ويتم في كثير من الأحيان قطع الكهرباء القسري لمنع أي انفجارات غازية محتملة.
أما في حال الإقامة في منطقة ساحلية في تركيا، فيجب تجنب التوجه نحو الشاطئ لأن زلازل تركيا قد تترافق مع أمواج تسونامي وأعاصير مائية كما حدث في أعقاب زلزال إزمير الأخير، لذلك يعتبر البقاء فوق مستوى سطح البحر لفترة متوسطة بعد الزلزال أمراً أكثر أماناً.
وأخيراً ينصح في حال وقوع زلزال طارئ بعدم قيادة السيارة لأن الطرق بعد الزلزال قد لا تكون آمنة بسبب الفوضى العارمة واندفاع الناس المذعورة في كافة الاتجاهات سواء المشاة منهم أو السائقين، بالإضافة إلى خطورة تصدع الطرقات وانهيار أجزاء منها، وكي تبقى الطرق خالية أيضاً حتى تتمكن سيارات الطوارئ من الوصول إلى المناطق المنكوبة ويقوم المسعفون بأداء عملهم بأكبر قدر ممكن من الكفاءة والسرعة.
