عنف بلا رجولة، جنس بلا حب، هذا ملخص الذائق الفنية الحالية. الدين اصبح شكليات خاوية، الأخلاقيات تحولت إلى إستراتيجيات تسويق، الأسر أصبحت مؤسسة مصالح فحسب، النجاح والفلاح والنماء بالحياة أصبحوا "كم تملك؟" لا " ما مدى صلاحك؟"، و أمست المعلومات اكثر من الحكمة! ..فنحن بحق، بزمن شيطاني!
هل هذه النظرة السوداوية صحيحة بنسبة مئة بالمئة؟ أم هي تشمل الكثير من المبالغة؟ أو كما تُلفظ بالتركية "مُبلئا"؟ سنسمع رأي أم حسين و أم صلوح اللتين تجلسنا بالشرفة، وهما يحتسيان فناجين قُهوتهما المعتادة.
أم حسين: "عز الله انه جيل ضايع.. مايع.. صايع.. فاسد.."
أم صلوح: " صباح النور...الناس تصبح يا أم حسين! اتركي الأجيال بحالها!".
أم حسين:" يا زين جيلنا..كل واحد مشغول ينفع أهله، كل واحد يعمل و يفلح! يزرع ويحصد! يغوص ويصيد! الحين كل واحد يلمس شاشات تحت التكييف وهم فاشل بزواجه ومعاشه... ما في بركة.. آه!!.. البركة راحت!! يا أم صلوح البركة راحت!! راحت!!".
أم صلوح: "صلِ على النبي...كيف حال حسين ؟ تزوج؟ اشتغل؟ درس؟".
أم حسين: "وانا شنو أقول من الصبح!؟ وانتي كيف أخبار صلوح؟".
أم صلوح: "صديق فلذة كبدك! لا بارك الله فيك و بفلذتك!".
تضحكان بصوتٍ عالٍ ولا يعلمان أن جارتهما الدكتورة سارة كانت تسمع كل ما قيل.
بعد مرور يومين، كان عيد ميلاد حسين، فذهبت أم حسين تقرع باب الدكتورة لتستعير منها ملاعق واشواكا، فور ما إن فتحت الدكتورة بابها، قالت الدكتورة بوجه ام حسين " احنا جيل فاسد؟ صايع؟ مايع؟ ضايع؟". ضحكت أم حسين وهي تهرول هاربة!.
بعدها فوراً تم بعث الوفد الدبلوماسي المتكون من أم صلوح.
وصلت أم صلوح عند باب شقة الدكتورة ووجهها متشقق بابتسامة 2x5 سم، حيث كان الوجه المتحجر غير معتاد على الابتسامة....ولكن الجميل بأم صلوح أنها أكثر حِلماً. فرغم أنها تكره هذا الجيل بمثل كره أم حسين له، ولكنها تتمالك نفسها لتقضي حوائجها و حوائج غيرها.
أخيرا فتحت الدكتورة الباب، وإذ بأم صلوح تهلهل وترحب وكأنها هي المضيفة، فقالت أم صلوح "يا أهلا وسهلا! أهلاً بالطش والرش! حي الله دكتورتنا! طبيبتنا!" فقاطعتها الدكتورة سارة "أنا دكتورة علم اجتماع! ولست طبيبة!".
فضحكت أم صلوح وهي تقول "والله العلي العظيم إن انتي دواااء الشعوب!!!". أغلفت الدكتورة بابها.
للأسف، لم نجن أي فائدة من كلام أم حسين و أم صلوح ! ولم حتى يستفدن هن من جارتهن الدكتورة! فلغاية الآن ينقص بيتهم ملاعق واشواك كثيرة! فلذلك، لن استجدي رأي ام فلان او ابو علان حتى!
برأيي أننا جيل يكثر من التعبير عن مشاكله لانه حينما يصاب بمشكلة نفسية او جسدية فهو يفهمها! فمثلا، حينما يصاب بالسكر والضغط والكولسترول و الربو يعرف ذلك ويعيه، وهكذا مع سائر الامراض والمشاكل الجسدية والنفسية، غدونا اكثر وعياً بها بخالف الجيل السابق الذي لا يبدي الشكاوي لضيق الوقت والحيلة والمعرفة اصلا وليس من تفوق شجاعته! ناهيكم، ان الاعمال الشاقة تحولت للمسات بالشاشات الذكية، فتبخر عناء التعب، و ركزنا على احاسيسنا ومشاعرنا الغيبية الداخلية، فاتسم تديننا بالرقائق الروحانية أكثر من الإلزاميات الأخلاقية، و أضحى المال عصب للحياة وليس الولاء للعشيرة او الجماعة او القبيلة او الاسرة حتى، فأمست فنون إدارة الأعمال وأساليب التسويق والمصلحة اهم من اصول الضيافة والشعر والعادات والتقاليد. بل وذبلت هيبة اللهجات أكثر فأكثر... لأننا ننتقل للحياة المؤسسية بعيداً عن الحياة الجماعاتية.
فبالنهاية ينبغي علي ان أوضح التالي؛ انا لا اصف إلا حالنا ولا اقره او اشجعه... فما فائدة هذا المقال؟
إننا بالفعل جيل لم يكرر نفسه في التاريخ، لانه لا مثيل لظروفه في السابق ولا شبيه قريب حتى، و لا ألوم أي مسن او مسنة حينما لا يرى إلا السلبيات لأنهم لم ينسجموا مع إيجابيات هذا الجيل، ولكن المشكلة تكمن حينما يسخرون من هذا الجيل،و يتهموه برخاوة الشخصية ويظنونه بأنه ميال للانتحار و الإلحاد و الوحدة و العزل و الخواء و الفراغ و الاكتئاب. فمما يجهله الجيل الماضي، ان هذا الجيل هو ضحية العولمة، و ضحية الرفاهية و الترف الفياض، فلا ينبغي السخرية منه، بل إعانته واحترامه. فأم حسين وأم صلوح، هما يتحملان جزءاً كبيرا من المسؤولية، ولكنهما ركنا للسخرية والإهانة، فلم يوفرا حتى ملعقة او شوكة... ولكن ماذا لو كانا اكثر تفهما؟ هل التفهم هو حل هذه الأزمة؟