عام 1869 وضعت لجنة من العلماء "مجلة الأحكام العدلية" وهي قانون لأحكام الفقه الإسلامي في المعاملات المالية في الإمبراطورية العثمانية، بلغة حقوقية سهلة لتسهيل الرجوع إليها والاستفادة منها.
وتشمل المجلة مجموعة من أحكام المعاملات والدعاوى والبينات، وبلغت مواد المجلة 1851 مادة متضمنة أحكاماً شرعية لمختلف المعاملات المدنية، وضعتها لجنة علمية مؤلفة من ديوان العدلية بالأستانة (الاسم القديم لإسطنبول).
ففي أواخر القرن الثالث عشر الهجري أنشئت في تركيا المحاكم النظامية ونقل إليها بعض اختصاصات المحاكم الشرعية، ولم يكن قضاة هذه المحاكم من الفقهاء المتمرسين بالفقه.
ولم يكن في استطاعة قضاة المحاكم النظامية أخذ الأحكام من الكتب الفقهية، لاختلاف أساليبها وكثرة الآراء فيها، ولأن التمييز بين تلك الآراء يحتاج إلى ملكة فقهية خاصة، وتدريب خاص لم يتوفر لهؤلاء القضاة غير الشرعيين، اقتضى الأمر بجمع أحكام المسائل وصياغتها على هيئة قانون ليسهل الرجوع إليها، وأخذ الأحكام منها.
فصدر قرار من السلطنة في عهد السلطان عبد العزيز بن محمود الثاني 1869 بتأليف لجنة من مشاهير الفقهاء برئاسة وزير العدلية لوضع هذه المجموعة، وأتمت اللجنة عملها في ثماني سنوات ما بين عام (1285إلى عام 1293ه).
ووضعت اللجنة مجموعة من الأحكام منتقاة من فقه المذهب الحنفي، ورتبت مباحثها على الكتب والأبواب الفقهية المعهودة، لكنها فصلت الأحكام بمواد ذات أرقام متسلسلة كالقوانين، ليسهل الرجوع إليها والإحالة عليها.
بدوره أوضح رئيس المحكمة الشرعية في صيدا القاضي محمد أبو زيد للأناضول أن مجلة الأحكام العدلية كانت موجهة للمحاكم النظامية (المدنية) لأنهم لم يكونوا على دراية بالأحكام الشرعية وهي كتبت بلغة قانون تناسبهم.
ولفت أن القوانين العثمانية حولت الكلام الديني الفقهي إلى كلام قانوني عبر مجلة الأحكام العدلية.
وأوضح أنه إذا "أردت القراءة في الفقه أجد في الموضوع الواحد أكثر من رأي حتى لو كان من مذهب واحد.. فهناك قول أبي حنيفة وآخر لأبي يوسف ومحمد ابن الحسن".
وتابع "وجدنا في مجلة الأحكام العدلية العثمانية أنها حولت المعاملات في كتب الفقه إلى قانون مكتوب موحد قولا ورأيا واحدا مكتوبا بلغة قانون واضحة ومباشرة".
ولفت أن "جميع القضاة في لبنان وسوريا وتركيا وفلسطين وفي أي منطقة تحت حكم الدولة العثمانية أصبح لديهم قانون واحد يحكم وكل المحاكم تكون على نفس التوجه".
وقال إن الإنجاز الكبير لمجلة الأحكام العدلية كان تحويل لغة الفقه التي فيها تنوع في الآراء إلى لغة قانون مباشر ومحددة وحوّل المحاكم التي كانت من الممكن تنوع آرائها نحو مشكلة معينة إلى محاكم تسير في نفس التوجه.
وذَكر أنه في مرة من المرات كان عنده دعوى عام 2010 ورجع إلى مجلة الأحكام العدلية في مسألة الشهود حين "ادعت إمراة على زوجها وكان الشاهد شقيقها ووجدنا أنه يصح أن يكون الشاهد من أقارب الشخص ما عدا الأصول أي الأب والأم".
ولفت أن القانون العثماني في حقوق العائلة والحجر يطبق كاملا في المحاكم السنية، بينما المحاكم الشيعية والدرزية كل محكمة تأخذ منه ما يناسبها.
وقال إن القوانين العثمانية ظلت تطبق كما هي في كافة المحاكم اللبنانية المدنية والشرعية حتى عام 1938 واستمرت عملية إلغاء القوانين العثمانية تدريجيا حتى عام 1962 ولكن بقي القضاء الشرعي السني يطبق بشكل كامل قانون حقوق العائلة".
وقال نحن اليوم في محاكمنا الشرعية نرجع إلى مجلة الأحكام العدلية من خلال مبحثين اثنين "الحجر" أي منع الشخص المجنون أو غير العاقل من التصرف بأمواله، والمسألة الثانية "الشهود" في الدعوى، صفاتهم والتفاصيل المتصلة بهم".
وتابع بأن القوانين العثمانية ألغيت بكاملها تدريجيا في المحاكم النظامية على مراحل ولكن بقي قانون العائلة الذي صدر عام 1912 يعمل به حتى يومنا هذا في المحاكم الشرعية، إضافة إلى مجلة الاحكام العدلية التي يؤخذ بها في مسألتي الحجر والشهود.