بماذا ذكّرتنا محاولة الانقلاب؟

نشر في 15.07.2017 00:00
آخر تحديث في 13.11.2017 21:14
مجموعة من المواطنين يسيرون فوق جسر شهداء 15 يوليو جسر اليوسفور سابقا رافعين العلم التركي احتجاجاً على محاولة الانقلاب مجموعة من المواطنين يسيرون فوق جسر شهداء 15 يوليو (جسر اليوسفور سابقا) رافعين العلم التركي احتجاجاً على محاولة الانقلاب

الوصول إلى الحكم كان دائماً حلماً يداعب آمال الكثيرين، لدرجة أنهم يمكن أن يلجؤوا إلى كل السبل لتحقيقه. والتاريخ مليء بنماذج لتلك المحاولات الانقلابية التي استُخدمت فيها كل الوسائل للوصول إلى هذه الغاية. إلا أنه لم يقم أي انقلاب بتحقيق ظروف حياتية أفضل من الانقلاب السابق له. ودائماً ما تدهورت أحوال البلاد، وكانت أطراف أخرى هي الرابحة.

صغار الضباط

في التاريخ العثماني حدثت عدة انقلابات فقد فيها السلاطين عروشهم وبعضها فقدوا فيها حياتهم. إلا أنه في أمثلة الانقلابات التي حدثت في الفترة الكلاسيكية كان النظام يستمر كما هو ولكن بسلطان جديد. وفي بعض الأحيان كان الانقلابيون يعاقبون حينما تسمح الظروف.

تشبه المحاولة الانقلابية في 15 يوليو إلى حد بعيد واقعة قوله لي (محاولة الانقلاب على السلطان عبد المجيد الأول) عام 1859. حينما حاولت مجموعة من الضباط والعلماء عزل السلطان عبد المجيد، وأُحبطت المحاولة بسبب التبليغ عنها قبل تنفيذها.

عام 1876 قام الانقلابيون الذين خلعوا السلطان عبد العزيز بخداع الجنود قائلين "إن الروس ينوون خطف السلطان، سنذهب إلى القصر لحمايته." وفي 15 يوليو أيضاً خدع الضباط الانقلابيون بعض الجنود وأوهموهم أنهم في مناورة عسكرية.

في عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي تعارضت سياساته مع آمال الإمبريالية العالمية تشكلت مجموعة من الشباب من دعاة الحرية والمثالية وكونت أذرعاً لها في العديد من المؤسسات وخاصة الجيش بهدف خلع السلطان عبد الحميد. وقامت كل من ألمانيا وإنكلترا وفرنسا بالتسلل داخل تلك المجموعة وسعوا لتوجيهها عبر عملائهم. ومع مرور الزمن ظهر كيان مواز داخل الدولة.

تمكن هذا التشكيل من السيطرة على كامل الجهاز الإداري والسلك العسكري بالدولة. وبالرغم من الإدارة المحكمة وشبكة الاستخبارات القوية التي شكلها السلطان عبد الحميد الثاني تمكنوا من القيام بانقلاب على السلطان عام 1908 مستعينين في ذلك بالتنظيم الماسوني الصهيوني الذي كانت له أطماع كثيرة في البلاد. وهكذا أصبح صغار الضباط الذين لم يكونوا يتميزون بشيء سوى إلقاء أشعار نامق كمال في خمارات سلانيك هم الحاكم الأوحد للبلاد. وقبل مضي عشرة أعوام كانوا قد تسببوا في القضاء على الإمبراطورية تماماً.

تاريخ الانقلابات

بغض النظر عن أن حركة أنقرة كانت في الأصل انقلاباً ضد حكومة إسطنبول، فإن تاريخ الجمهورية حافل بالانقلابات بعضها نجح وبعضها فشل. وكان سبب ذلك هو أيديولوجية الحزب الواحد التي اتبعت سياسة تقوية الجيش قدر الإمكان بهدف تأمين نفسها. فمن يملك السلاح هو الأقوى دائماً وهو صاحب الكلمة الأخيرة. إلا أنه لابد من أن تسري كلمة المحق لا القوي.

اندهش أصحاب هذه الأيديولوجية عندما انتقلت البلاد إلى نظام التعددية الحزبية عام 1945 بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية. فهل كان الحزب الذي أدار البلاد بقبضة حديدة لمدة أربعين سنة ليسلم السلطة لغيره بسهولة؟! رأى الكثير من الناس الديمقراطية والتعددية الحزبية على أنها مؤامرة دبرها حزب الشعب الجمهوري (الحزب الحاكم) ليكشف معارضيه. وقد أظهر انقلاب 27 مايو/أيار 1960 أنهم لم يكونوا مخطئين.

بصرف النظر عن كون الحزب الديمقراطي قد ارتكب أخطاء في السياسة أم لا كان لابد أن يكون الرد عليه أيضاً سياسياً، ولكنه انسحق رغم كونه من أنصار الليبرالية والديمقراطية. وتم تحريك مجريات الأمور في الجمهورية من قبل حزب الشعب الجمهوري بواسطة العسكر. إضافة إلى ذلك قيل إن وراء الانقلاب أيضاً المعسكر الأنجلو-أمريكي الراغب في إطاحة عدنان مندريس الذي تجرأ على معارضة عمليات السي آي ايه في تركيا وحاول عقد تحالف مع العراق.

الانقلابيون

قام مؤسسو جمعية الاتحاد والترقي بزرع الروح الانقلابية، والاستعداد للقيام بانقلابات في أي وقت لتحقيق رغبتهم في الوصول إلى الحكم في نفوس بعض من يظنون أنفسهم مثاليين. وهناك حقيقة ما يجب أخذها بعين الاعتبار ألا وهي أنه لا يمكن لأي انقلاب أن ينجح مهما كانت قوة السلاح التي يمتلكها منفذوه دون الحصول على دعم من الخارج. وقد فشلت محاولة الانقلاب المضاد التي قام بها العقيد "طلعت آي دمير" وورط فيها طلبة الكلية الحربية. وتم إعدامه هو ورجاله.

مر انقلاب 12 مارس/آذار 1971 دون إراقة دماء بفضل ملاينة سليمان دميرال. ويقال إن هذا الانقلاب كان انقلاباً مضاداً لانقلاب رتب له الضباط الموالون لروسيا.

وبعد انقلاب 12 سبتمبر/أيلول 1980 الذي يقال إنه أيضاً كان من ترتيب الولايات المتحدة في إطار مشروع "الحزام الأخضر" ضد الاتحاد السوفيتي وإنها قامت بخلق مناخ من الفوضى وسفك الدماء لتهيئة مناخ ملائم للانقلاب، أصبح كل مكان في البلاد هادئاً ساكناً. فالشعب وكما يحدث في كل انقلاب ناجح يصفق لمن خلصوه من الخوف على حياتهم.

ويعرف انقلاب 28 فبراير/شباط الذي نُفذ ضد حكومة مناهضة للولايات المتحدة بـ(انقلاب ما بعد الحداثة) لأنه تم بدون إراقة دماء ودون خروج الدبابات إلى الشوارع. إلا أن تأثيره كان أقوى من الانقلابين السابقين له. ولم ينجح أي انقلاب/أو ثورة لم تحركه/ أو تدعمه القوى السياسية أو الاقتصادية العالمية في ذلك الوقت. وهذا ينطبق أيضاً على الثورة الفرنسية والثورة البلشفية في روسيا وانقلاب جماعة تركيا الفتاة في تركيا.

وبينما بدأ الشعب يقول لن تحدث انقلابات بعد الآن لقد تخلصت البلاد من ذلك العار، حدثت محاولة انقلابية في الخامس عشر من يوليو/تموز على يد منظمة غولن الإرهابية وأذنابها من العسكريين بالتعاون مع الراغبين في حدوث انقلاب على السلطة من داخل الجيش. وأدى سوء تخطيط الانقلابيين ودفاع الشعب عن الديمقراطية إلى إفشال تلك المحاولة. ولكن بالرغم من هذا تركت هذه المحاولة الانقلابية آثاراً سلبية ستدوم لفترة طويلة في أذهان الشعب بسبب استشهاد المئات وإصابة أكثر من ألفي مواطن. وأظهرت تلك المحاولة الانقلابية ما يمكن أن يقوم به من لا يستطيعون الوصول إلى الحكم عبر الطرق الديمقراطية ممن عميت أبصارهم وأصبحت لا ترى إلا هدف الوصول إلى السلطة بأي طريقة.

السبب

في كل مكان في العالم ولدينا أيضاً أدى نظام التعليم الذي يركز على تنشئة نمط واحد من الناس إلى ظهور مجتمعات جاهلة ليس لها هدف يمكن توجيهها بكل سهولة.

ينهى الإسلام عن الخروج على الدولة وإحداث فتنة مهما كان الحاكم. حتى إنه ينهى المرء عن كثرة الجدال حتى ولو كان محقاً. ولم يصوب علماء أهل السنة أبداً مثل هذه الأفعال. وبالرغم من هذا ظهرت في القرن الأخير مجموعات متعصبة تركز على فكرة المهدي المنتظر تكلف أتباعها بمهام كبيرة لتحقيق مآربها. وقد أدت هذه المجموعات إلى إحداث فوضى في الداخل والخارج.

لقد اندهش الكثيرون لقيام غولن وجماعته بمثل هذه المحاولة بعد عدم تمكنهم من الحصول على كل ما يرغبون فيه من السلطة السياسية. وغولن وجماعته محسوبون على جماعة النور التي تتبع تعاليم سعيد النورسي. وشارك غولن بدور فعال في المؤامرات السياسية منذ انقلاب 1971، واكتسبت جماعته قوة سياسية واجتماعية كبيرة مع مرور الوقت وأصبح غولن واحداً من مهندسي "الحوار بين الأديان"

على الجانب الآخر غُرس في أذهان طلبة المدارس والكليات الحربية الذين هم ضباط المستقبل شعور أنهم وطنيون أكثر من المدنيين وأن كل واحد منهم هو مشروع نابليون أو مصطفى كمال باشا أو أنور باشا جديد، واستقر ذلك في عقلهم الباطن.

لا نصادف الآن مثل تلك المحاولات الانقلابية في المجتمعات التي أصبحت فيها الديمقراطية نمط حياة والتي يقوم فيها كل شخص بعمله على أكمل وجه. ونأمل ألا نعيش أياماً صعبة مثل تلك مرة أخرى في بلادنا.